في انقلاب للأدوار.. الإسبان يهاجرون نحو المغرب

بعد أن كانت إسبانيا هي الوجهة المفضلة للشباب المغاربة، الذين يخاطرون بعبور مضيق جبل طارق عبر زوارق الموت، والذين يطلق عليهم في المغرب اسم «الحراكة»، أو يتسللون إلى مدينتي سبتة ومليلية اللتين تحتلهما إسبانيا في شمال المغرب، أدت الأزمة الخانقة التي تعرفها إسبانيا إلى هجرة معاكسة لكنها «هجرة شرعية» هذه المرة، إذ أضحى إسبان كثر يفضلون النزوح إلى المغرب. في هذا السياق غادر بابلو خيثميرا الجزيرة الخضراء هروبا من أوضاع يعتبرها سيئة، وجاء إلى المغرب للبحث عن عمل، وكان أن عمل طباخا في أحد المطاعم الفاخرة في الرباط. يقول خيثميرا: «جئت إلى المغرب بعد أن أضحت الأمور صعبة في بلادنا، اخترت المغرب بحكم عامل القرب الجغرافي، كما أنه بلد يتطور بسرعة وهذا ما لمسته خلال مدة إقامتي، ثم أن لدي رغبة في اكتشاف ما يحدث في الضفة الأخرى من المتوسط في مجال صيد السمك، هوايتي المفضلة، واكتشاف أنواع الأسماك وطرق الصيد التي يستعملها المغاربة». ولع خيثميرا بصيد السمك جعله يربط علاقات واسعة مع الصيادين المغاربة. يلقي خيثميرا التحية على أصدقائه الصيادين باللغة العربية. صداقات خيثميرا مع الصيادين جعلته يحصل على أجود الأسماك بأنواعها المختلفة، ولم يعد في حاجة للذهاب إلى السوق لاقتناء السمك، إذ يرسل له هؤلاء الأصدقاء أفضل أنواع السمك. غير أن خيثميرا كما قال، يفضل الذهاب من وقت لآخر لشراء السمك بنفسه من الصيادين، ويقول عن ذلك: «يعجبني التعامل مع الصيادين، هذه الأجواء تذكرني ببعض الظروف التي عشتها في طفولتي».


ثمة حكاية أخرى، صاحبها هذه المرة «خابيير كاسترو» من «كاستيا لامانتشا» التي تقع في وسط إسبانيا. استقر كاسترو في فاس منذ سنتين، وهو يتولى رئاسة إدارة إحدى الشركات الغذائية في المدينة، وتتجلى مهمته الأساسية في مراقبة جودة المنتجات يوميا. يقول كاسترو: «هناك فرص عمل كثيرة في المغرب بالإضافة إلى إمكانية خلق مشاريع وطرح أفكار جديدة وتطبيقها». وزاد قائلا: «الأمور في إسبانيا ليست على ما يرام، لذلك عندما حصلت على فرصة عمل في المغرب لم أتردد، كنت متيقنا بأنني سأتعلم أشياء جديدة وسأتعرف على ثقافة جديدة». وأشار إلى أن والدته لم تقبل قراره في البداية وألحت عليه «أن يعدل عن الذهاب إلى البلد الذي كانت تأتي منه قوارب الموت» على حد تعبيرها لكنه أصر على المجيء، وهو ليس نادما على قراره.


تعمل إيستير لوثانو في إحدى المكتبات في الدار البيضاء، لم يكن المغرب بالنسبة لها مجرد اختيار عشوائي أو فرصة للعمل، لكنها انجذبت نحوه منذ أول زيارة قبل أزيد من عشر سنوات. تقول لوثانو: «من أكثر الأشياء التي أحببتها الموسيقى المغربية، لذلك كنت أغتنم الفرص بمناسبة تنظيم أي عرض موسيقي لزيارة المغرب، هكذا بدأت أتعلق بهذا البلد، ثم قررت في نهاية المطاف الاستقرار فيه من أجل العمل». اهتمت لوثانو ومنذ سنوات بمجال الموسيقى، وكانت زيارتها المتكررة للمغرب تهدف إلى التعرف على أنواع الموسيقى المغربية والموسيقيين المغاربة، والتعاقد معهم للمشاركة في مهرجانات وتظاهرات ثقافية في إسبانيا، ولكنها كما قالت وجدت نفسها في نهاية المطاف دون عمل في إسبانيا فقررت أن تغامر وتبحث لنفسها عن فرصة عمل في المغرب، وحصلت عليها.


إذا كان الحظ قد حالف بعض المهاجرين الإسبان، فإن هناك آخرين يعانون البطالة. إذ إن الظروف لم تكن إيجابية باستمرار لمن قرروا الهجرة جنوبا. خوان أنطونيو مورينو أحد هؤلاء، حيث يواجه منذ أربع سنوات صعوبات في إيجاد عمل مناسب. كان مورينو قد هاجر قبل سنوات إلى بريطانيا من أجل البحث عن عمل وعندما شعر أن باستطاعته تحقيق ذاته في بلده عاد إلى إسبانيا وأسس مع والده شركة صغيرة تعمل في مجال المواد الغذائية والمشروبات، لكن الأزمة حالت دون استمرار المشروع وأفلست الشركة. يقول مورينو: «لست متأكدا إذا كانت فكرة الذهاب إلى دول أوروبية فكرة جيدة خصوصا أن الأزمة طالت الكثير من الدول، وأعتقد أن المغرب يمكن أن يكون وجهة مناسبة لعدة أسباب». ويشرح قائلا: «أصبح من الصعوبة بمكان إيجاد فرصة مناسبة للعمل في أوروبا، والوضع لا يحتمل في إسبانيا لذلك قررت اختيار المغرب». لكنه منذ مدة يبحث في المواقع المغربية بمساعدة أصدقاء مغاربة عن عمل، وأرسل سيرته الذاتية لمجموعة من الشركات، لكن حتى الآن دون جدوى.


وفي السياق نفسه لا يزال مانولو ليناريس يبحث عن عمل هنا وهناك. وقال، إن طموحه بل حلمه هو العثور على عمل والاستقرار في المغرب خصوصا أن زوجته تنحدر من الرباط. يقول: «ننتظر بفارغ الصبر اليوم الذي نستقر هنا، الجو هنا ملائم للعمل وسأكون في منتهى السعادة أنا وزوجتي إذا تحقق هذا الحلم».


ويقول عبد العالي باروكي، الأستاذ الباحث في المعهد الإسباني البرتغالي بالرباط حول ظاهرة الهجرة جنوبا، إن مجموعة من العوامل من بينها القرب الجغرافي وتشابه الأمكنة، إلى جانب إمكانية الحصول على وضع أفضل بالنسبة للأسر، يجعل كثيرين يختارون المغرب، إذ إن الانتقال إلى دول أميركا اللاتينية على سبيل المثال، أصبح مكلفا وصعبا. وهو يرى أن القرب الثقافي والتاريخ المشترك بين البلدين يلعب دورا كبيرا في اختيار المغرب كوجهة للاستقرار كما أن طبيعة المناخ المغربي المتشابه مع مناخ إسبانيا والاستقرار السياسي، بالإضافة إلى حضور اللغة الإسبانية في منطقة الشمال والوسط والجنوب ووجود أزيد من 1000 شركة إسبانية في المغرب تشجع الإسبان على الانتقال إلى المغرب. ويوضح باروكي في معرض التفسير: «هناك مجموعة من المجالات تستدعي بعض الكفاءات وهي متوفرة في إسبانيا، لذلك وجدت فرصا في سوق العمل المغربي».



وطبقا للمعهد الوطني الإسباني للإحصاء فإن ما مجموعه 114 ألفا و413 إسبانيا غادروا البلاد العام الماضي بحثا عن عمل في الخارج، ويأتي إقليم كتالونيا (شمال شرق إسبانيا) على رأس قائمة الأقاليم المستقلة التي غادرها أكبر عدد من الإسبان. ويعتبر بعض المغاربة زيادة نزوح الإسبان عملية غير صحية، خصوصا أن نسبة البطالة مرتفعة في المغرب وتصل إلى 30 في المائة مقارنة مع إسبانيا التي تبلغ نسبة البطالة فيها 26 في المائة.

المصدر: الشرق الأوسط