محمد عمر حسين بعيو: المرأة المسلمة وكرسي الولاية..!!


{وَالْمُؤْمِنُ ونَوَالْمُؤْمِنَاتُبَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ

وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ

اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
}
التوبة 71،



وصلى الله وسلم عڵـى معلم الناس الخير واله

وصحابته ومن تبعهم بإحسان إڵـى يوم الدين.



جرت العادة في أن نتعامل في الكثير من شؤون حياتنا وننطلق فيها من خلال حزمة من المسلمات، هي مزيج من العادات والأنماط والمفاهيم والسلوكيات وما نظن أنه من ثوابت الدين المنزل ومقرراته العتيدة، ولايخطر  بالبال أبداً أن نبدئ أو نعيد النظر في مدى صحة وقوة وسلامة وحاجة مجتمعاتنا لنفض الغبار عن الكم الهائل من موروثنا الثقافي، أوأن نتأكد من مدى صلاحية أجزاء كثيرة من التركة الكنز، للتعبير عن الأحكام الشرعية المختصة بعصرنا وثقافتنا وضروراتنا، وعن مدى تحقيقها للمقاصد الشرعية المعتبرة.



فهل نحن بحاجة إڵـى غربلة موروثنا الفقهي، والإبقاء عڵـى الصالح منها لتحقيق الحكمة التشريعية، وضمان الحقوق، وتأكيد التكريم الإلهي للإنسان.؟ هل نحن بحاجة إڵـى إعادة ترتيب البيت الفقهي، والنظر في الترجيحات، وترتيب الاختيارات لتتناسب مع ثقافة عصر الحقوق والحريات والشراكة والمواطنة، وأن نبذل الوسع في ترجمة قيم الحق والعدل والرحمة والإحسان، إڵـى مفاهيم ومناهج وسلوكيات، ونظم وتشريعات وثقافة، يكون لها ثقل التوجيه والتسهيل والضبط والإعانة عڵـى متطلبات السلوك الاجتماعي والفردي والمؤسسي.؟



الذي أعلمه من ديني أن الإسلام قد أعطى الحق للمستبصرين في أحكامه ومقاصده من المشتغلين بهموم الحياة، أن يوظفوا قواعد التشريع اڵـتي أحال عليها الشارع الحكيم، في ترقية فهم النصوص، وتحقيق المقاصد المعتبرة، وفتح آفاق التدين المستبصر الواعي، والتبشير بهدايات الرسالة الإلهية، لبناء الإنسان وعمارة الأرض، وقد وضعت مصادر التشريع الأصليةالمتمثلة في الكتاب العزيز وما صح من السنة النبوية الشريفة المطهرة، أقباساً للتفكير الحر، وهدايات مكملة تابعة منضبطة تجسدت في مصادر فرعية لاستنباط الأحكام وهي (الإجماع، القياس، العرف، المصالح المرسلة، الاستحسان، سد الذرائع، قول الصحابي، شرع من قبلنا).



فدعونا أيها الإخوة الأعزاء نقرع أبواب الفهم والتدبر وإعادة القراءة، لنعيد ترتيب بيت الاختيارات، ويفيئ الناس إڵـى ظلال الشريعة الوارفة، وينهلوا من ثمارها اليانعة ويصدروا عن مواردها الباذخة، وأن يستمسكوا بالعروة الوثقى في سيرة البناء والإصلاح والإعمار اڵـتي ننشد لوطننا.



لقد ساوت الشريعة الإسلامية بين المرأة والرجل فيما يتعلق بالولاية الخاصة والعامة، وقد تقررت هذه المساواة في نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة والقواعد الفقهية العامة، إلا ما استثني بنص قطعي، وتأسس عڵـى هذه المساواة أن كل حق للمرأة والرجل يقابله واجب عليها وعليه.



قال سبحانه وبحمده {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} الإسراء 70… وقال تبارك اسمه {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} البقرة 228… وقد تضمنت هذه الآيات عدة مبادئ دستورية هي عڵـى النحو الآتي:



1) التكريم والمساواة واستقلال الذمة المالية والشخصية وتحمل المسؤولية القانونية.



2) تقرير الولاية المطلقة بلا قيد بين المؤمنين والمؤمنات بعضهم لبعض، ما يخص منها ويعم، وتتمثل في تعاونهم وتناصرهم لما فيه خيرهم وصلاحهم، الأمر الذي يستوعب كافة المناحي الاجتماعيةوالاقتصادية والسياسية.



3) القيام بأعباء ومسؤوليات وواجبات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في كافة جوانب ومناحيالبناء والإصلاح اڵـتي يأتي عڵـى رأسها الاشتغال بإصلاح أدوات الحكم وذرائعه ومقتضياته.



لقد زاولت المرأة المسلمة هذه الحقوق والمهمات في صدر الإسلام مبكراً، بدءاً من عهد الإشراق النبوي وعصر الخلفاء الراشدين، حيث التقت هدايات السماء بصفوة الإنسانية الراشدة، قيادة ملهمة وأتباعاً مستبصرين وبيئة صالحة، وابتلاءات متجددة في مشهد شكلت خلفيته أوهام وأوحال وركام جاهلية متربصة ومتنكرة لأحقية حملة اللواء في القيادة والتميز والاستعلاء.



في بيعة العقبة الثانية وفي فتح مكة، بايعت النساء السيد الرسول صلى الله عليه وسلموهو إمام الأمة في بواكير دعوة التوحيد، عڵـى أصول وعزائم هي صلب الالتزام السياسي، وقد كانللسيدة عائشة رضي الله عنها، آراء واعتراضات معروفة عڵـى سياسة الخليفة عثمان بن عفان، وقد خرجت عڵـى الإمام علي عقب ولايته للخلافة، وإن كانت قد ندمت عڵـى ما كان منها من خطأ في التقدير، إلا أن ندمها لم يكن منصباً عڵـى أصل ممارستها لحقها في خوض معترك السياسة وشؤونها، وقد كانت زوجة الخليفة عثمان بن عفان تشير عليه بالرأي فيما يتصل بسياسة الحكم فلا يعترض عليها وهو في أحلك ظروف الفتنة اڵـتي ثارت حول سياساته، ولم يتوانى عمر بن الخطاب في تولية قضاء الحسبة في سوق المدينة لامرأة اسمها الشفاء، اڵـتي كانت لها ولاية مطلقة عڵـى أهل السوق رجالاً ونساءً، تحل الحلال وتحرم الحرام، وتقيم العدل وتمنع المخالفات، وتراقب حركة المال والتجارة في عاصمة الخلافة المنورة.



نخلص بما تقدم إڵـى أن الولاية بشكل عام ليست ممنوعة عن المرأة، وحسبنا دليلاً أن المرأة يصح أن تكون وصيةً عڵـى الصغار وناقصي الأهلية، وأن تكون ناظرة عڵـى الوقف، ووكيلة لأية جماعة من الأفراد في إدارة أموالهم، وأن تكون شاهداً والشهادة ولاية كما هو مقرر عند الفقهاء، وبإجازة الإمام أبو حنيفة يحق لها أن تتولى القضاء في حالات وكما هو معلوم فالقضاء جزء من الولاية العامة.



وقد تأسس عڵـى هذا، أن أباح الإسلام للمرأة الحق في الانتخاب، الذي هو جزء من اختيار الأمة لوكلاء ينوبون عنها في إدارة الحكم والتشريع والمراقبة، وهذا جائز سواء بتوكيل المرأة لغيرها أو بتوكيل من سواها لها، سواء للدفاع عن حقوقها، أو للتعبير عن إرادتها كمواطنة، ولا يوجد عڵـى مستوى المضمون الرسالي، أي مانع معتبر يحول بين حق المرأة بكفاءتها وعدالتها، أن تكون جزءاً من مؤسسات التشريع والرقابة والإدارة والمراجعة والتقييم والنقد في الدولة.



لقد جاء الإسلام ليعطي للمرأة الحق في الحياة، وفي أن تكون جزءاً مهماً من مشروعات ومؤسسات صناعة الحياة، وقد حباها بالتكريم والتأهيل والتوقير، وإنما تأتي المشكلات والاعتراضات من الفقه الإنتقائي الأعوج، ومن الفهم العشائري والثقافة المتحيزة، ومن ضيق هوامش الوعي الحقوقي وحاجات المجتمع.



إننا اليوم أمام مدرستين ومنهجين .. كل واحد منهما له ثمراته وينضح بمخرجاته.. وقد أردت أن أخوض مفازة المقارنة النقدية، لنقف عڵـى مراد الشارع الحكيم، وأن نحرر محل النزاع، ونستهدي بأحسن القول إڵـى أحسن الفعل.



فلنبدأ في المحاورة ومناقشة الاعتراضات….



1) مفهوم وحدود القوامة :يستند القائلون بالمنع عڵـى قوله عزوجل (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) البقرة 228، ويدفعون بالمفهوم في مقابل قاعدة المساواة العامة اڵـتي قررتها الشريعة في الحقوق والواجبات، ونحن ندفع هذا الاعتراض بأن القرآن قد بين حدود هذه الدرجة في قوله تعالى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} النساء 34.



لقد بينت الآية الكريمة أن درجة المسئولية والقوامة المشتركة في حدود شئون الأسرة والبيت، فالرجل هو المكلف بالإنفاق عڵـى المرأة وتربية الأولاد ورعاية الأسرة وحمايتها، وبهذا الإعتبار فهو المسئول الأول عن الأسرة والأحق بإدارتها، والتفضيل هنا ليس منصب عڵـى تفضيل معدن عڵـى آخر، ولا يمكن أن تؤسس عليه سلوكيات القهر والحجر والاستبداد والتفرد والإهدار اڵـتي يعيشها البيت المسلم، فالإسلام يمنع الرجل من الولاية عڵـى مال زوجته، ولا يمنح الرجل سلطاناً عڵـى دين زوجته، فلا يحق له أن يكرهها عڵـى تغيير دينها، والسلطة اڵـتي أعطيت له إنما هي في مقابل المسئولية اڵـتي فرضت عليه تطبيقاً للقاعدة الشرعية العامة اڵـتي تنص عڵـى أن (السلطة بالمسئولية)، وهي من أهم القواعد اڵـتي جاءت بها الشريعة لتحكم وتضبط وتحدد علاقة أهل كل دائرة سلطة بمن حولهم ومن في رعايتهم، وهي اڵـتي عناها السيد الرسول المكرم في قوله: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها ) البخاري ومسلم، وهي مبدأ دستوري إسلاميمعروف حتى لدى رجال الفقه الدستوري الفرنسي في قولهم (حيثما تكون المسئولية تكون السلطة).



وعلى هذا فنخلص للقول بأن القوامة ليست صفة أصلية في الرجل، بل يكتسبها بموجب قيامه بمسئوليته نحو بيته وأسرته، فإن امتنع أو عجز أو حاد عن القيام بواجباته ومسئولياته نحوها ارتفعت عنه صفة القوامة..!!



قال العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله (فإذا اقتضت طبيعة الوضع أن تكون رئاسة البيت له دون المرأة فهي رئاسة المسئوليات لا التحكم الذي يجور عڵـى حقوق العدل والمساواة والشورى.. رئاسة تلقي عليه عبء نفقته وعبء حمايته) الوحي المحمدي284.



2) المرأة وولاية القضاء:يرى جمهور الفقهاء أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء، وقد اسسوا قولهم بالمنع عڵـى مقدمة أن مهمات القضاء تعتبر من الولايات العامة اڵـتي لا تجوز للمرأة، قياساً عڵـى مسلمة المنع من تولي الإمامة الكبرى، وقد استدلوا عڵـى صحة منحاهم بقوله صلوات الله وسلامه عليه ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )، وهذا الحديث الشريف مروي بألفظ متعددة عن الصحابي أبي بكرة رضي الله عنه، وقد أخرجه كل من أحمد والبخاري والنسائي والترمذي وصححهرواه البخاري وأحمد.



فإذا ماتجاوزنا الخوض في إشكالية الدراسات اڵـتي تنتهي إڵـى عدم التسليم بصحة الحديث، بالنظر إڵـى احتمال عدم المعاصرة اڵـتي تكتنف الخبر من جهة الافتقار للوقوف عڵـى تاريخ ولادة بنت كسرى وربطها بتاريخ وفاة الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه ..!!



فقد قال فقهاء الأحناف بصحة قضاء المرأة في الأموال وفيما تصح فيه شهادتها، لأن في الشهادة معنى الولاية وشهادتها تصح عندهم إلا في الحدود والقصاص، وعللوا جواز ولايتها بجواز شهادتها، وأفتوا بقولهم أن من قلد المرأة القضاء لا يأثم وتكون ولايتها صحيحة وأحكامها نافذة. الهداية ج3 ص107، شرح فتح القدير ج7 ص253، الاختيار ج 2 ص83.



ومن الأئمة والفقهاء من ذهب إڵـى جواز تولي المرأة القضاء مطلقاً، وعلى رأسهم إمام المفسرين ابن جرير الطبري، وكبير الظاهريين الإمام ابن حزم الأندلسي، وقد علل ابن جرير جواز توليها للقضاء بجواز فتياها وقال : إن الأصل هو أن كل من يستطيع الفصل بين الناس فحكمه جائز إلا ما خصصه النص، أي أن المرأة كالرجل صالحة في الأصل لتولي الأحكام والفصل بين الناس وهذا حكم عام لا يخصصه إلا نص، والنصوص لم تستثن إلا الإمامة الكبرى، فإن إلحاق القضاء بها يعتبر تخصيصاً بلا مخصص، ومنهم من أسند هذا القول للإمام محمد بن الحسن الشيباني من الأحناف، ولابن القاسم من المالكية اللذان قالا بجواز قضائها في الأموال وما لا يطلع عليه الرجال كالولادة وعيوب النساء. حاشية الدسوقي ج4ص188، المبسوط ج16ص88، المغني ج11، المحلى ج9ص429.



وعلى هذا فنخلص إڵـى القول بأنه لا يوجد دليل قطعي يُعتمد عليه في منع المرأة من تولي القضاء، وأن هذا الأمر يعود إڵـى الظروف والملابسات الاجتماعية والسياسية والثقافية اڵـتي يمر بها المجتمع، ويتأثر بمدى تجذر الوعي الحقوقي وتكون وتدرج القدرات العلمية النسائية في السلك المهني.



3) المرأة ورئاسة الدولة :يستند الأئمة والفقهاء القائلون بعدم جواز تولي المرأة المسلمة لرئاسة الدولة، عڵـى ذات الحديث النبوي الشريف (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، فهل قياس رئاسة الدولة في عصرنا هذا، عڵـى الإمامة العظمى هو قياس صحيح معتبر..؟؟



لقد كانت رئاسة الدولة إبان صدر الإسلام "زمن الخلافة"، تجمع للخليفة المسلم صلاحية كل السلطات الثلاثة، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهو خلاف ما تواضع عليه الحال في أنظمة الإدارة السياسية في واقعنا المعاصر، حيث تقرر في فقه إدارة الدولة مبدأ الفصل بين السلطات، وحددت صلاحيات الرئيس طبقا لدستور ونظام وقوانين ولوائح، ويخضع لرقابة دستورية متمثلة في المحكمة الدستورية العيا، وبرلمانلا يبقي ولا يذر، وقد تجد الرئيس في بعض الأنظمة الدستورية المعاصرة مجرداً إلا من وظائف شرفية رمزية بروتوكولية، لا يتعداها لأي شكل من أشكال ممارسة الحكم الفعلي المتبادر للكثير من اللأذهان والتصورات النمطية.



وعوداً عڵـى ذي بدء… فقد قال السيد الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه كلماته، عندما بلغه أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى بعد موته، وكان ذلك متزامناً مع هزيمة الجيوش الفارسية أمام الرومان الذين أحرزوا نصرهم الكبير بعد هزيمة ماحقة، فكان ذلك إيذاناً بأن الدولة كلها إڵـى زوال، وفي التعليق عڵـى ذلك الحدث قال الرسول كلمته الصادقة، فكانت وصفاً للأوضاع السياسية في ذلك الوقت، لا حكماً نهائيا باتاً في حق بنات حواء..!!



قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله (ولو أن الأمر في فارس شورى وكانت الحاكمة تشبه غولدا مائيراليهودية اڵـتي حكمت إسرائيل، لكان هناك تعليق آخر عڵـى الأوضاع القائمة، لقد أذاقت غولدمائير جيوش العرب مصائب وهزائم قد نحتاج إڵـى جيل آخر لمحوها، وقد بلغت انجلترا عصر نفوذها الذهبي أيام الملكة فيكتوريا، أما أخطر الضربات القاصمة اڵـتي أصابت المسلمين في القارة الهندية فقد كانت عڵـى يدي أنديرا غاندي، اڵـتي شطرت الكيان الهندي الإسلامي شطرين، فحققت لقومها ما يصبون إليه، في حين عاد المارشال يحي خان يجر أذيال الخيبة والهزيمة.. إن القصة ليست أنوثة وذكورة، إنها قصة أخلاق ومواهب نفسية) بتصرف من السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ص 58.



حين قرأء الرسول العظيم صلوات الله وسلامه عليه، عڵـى الناس في مكة سورة النمل وقص عليهم ذكر بلقيس ملكة سبأ ذات الملك العريض، اڵـتي قادت قومها إڵـى الإيمان والفلاح بحكمتها وذكائها، فهل كان المقصد أن يفهم القوم أنه قد خاب قوم ولوا أمرهم إمرأةً من هذا الصنف النفيس..!؟



إنه مما يتبادر إڵـى ذهني وفهمي من ملابسات نزول القرآن بتكريم ملكة سبأ، أنني أكاد أستشف حجم التبكيت والتعيير لرجالات قريش المتورطين في وأد البنات، والموغلين في الصد عن سبيل الله والتنكر لهدايات السماء.. وكيف كان القرآن يتنزل بذكر امرأة سارعت للإهتداء وأوردت قومها محل الكرامة والاستقامة في رحاب التوحيد والإنابة.. وكل هذا فيما يتعلق بأسباب ورود الحديث النبوي الشريف. أما من جهة الدلالة التشريعية، فهذا الحديث لا يتضمن أي أمر أو نهي موجه للمسلمين بعدم جواز تولي نساءهم للرئاسات الكبرى..!!



وإن سلمنا – جدلاً – بأن له دلالة تتضمن أمراً أو نهياً، فهو لا يعد حجة ملزمة، لأن السنة المتعلقة بالشئون الدستورية، أي شئون الحكم والسياسة لا تعد تشريعاً عاماً، أي لا تعد ذات حجية ملزمة لجميع المسلمين في كل حين وزما ..!!



لقد قرر علماء الأصول أن كلام الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه في الأمور السياسية، إنما يعد من الآراء المحضة ويسمونه إرشاداً، أي أنه غير مقصود لذاته وغير متعبد بصورته، ولا يعتبر فيه معنى القربى، وكما هو مقرر فإنه لا إيجاب أو ندب إلا بدليل خاص..!!



قال الإمام القرافي (وأما تصرفه عليه الصلاة والسلام بالإمامة، فهو وصف زائد عڵـى النبوة والرسالة والفتيا والقضاء، لأن الإمام هو الذي فوضت إليه السياسة العامة في الخلائق وضبط معقد المصالح ودرء المفاسد).. راجع لزاماً كتاب الأحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام وتصرفات القاضي والإمام بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله ص93.... قال إمام الحرمين الجويني رحمه الله (السياسة الشرعية كلها مبنية عڵـى اجتهادات تغليب المصلحة).



وقد علمنا أن الشريعة الإسلامية، إنما جاءت في الجانب الدستوري بمبادئ عامة لها من العمومية والمرونة، ما يسمح بأن تتلاءم تطبيقاتها مع مختلف ظروف الزمان والمكان، فهي لا تتعرض للجزئيات المتعلقة بنظام الحكم لأنها بطبيعتها متطورة متغيرة تبعاً لتطور وتغير ظروف البيئة الاجتماعية والسياسية والثقافية.



وعليه… فالقول بأن الشرع الإسلامي وضع شروطاً معينة لجزئيات أنظمة الحكم هو قول لا يخدم الشرع الإسلامي، بل يسئ إڵـى القواعد والأحكام معاً، فضلاً عن أنه يتعارض مع أهم خاصية من خصائص التشريع الإلهي، اڵـتي هي خاصية المرونة ومراعاة مقتضيات ظروف الصالح العام الثابت منه والمتغير، وذلك لتراعي فيها كل أمة ما يلائم حالها وتقتضيه مصالحها. انظر المعنى للشيخعبد الوهاب خلاّف رحمه الله، في كتابه السياسة الشرعية ص19… قال الشيخ محمود شلتوت (أن تفصيل ما لا يتغير وإجمال ما يتغير إحدى الضرورات اڵـتي تقضي بها ويتطلبها خلود الشريعة ودوامها) انظر الإسلام عقيدة وشريعة ص417.



ولربما سنحتاج إڵـى الإعتراف والتذكير بوجود أحكام كان منطلقها الأساسي المصلحة المعتبرة بالنظر اڵـى العرف المتبع يوم نشأتها، ثم أدرجت لتصبح مع الأيام كجزء من منظومة الأحكام عڵـى الرغم من تبدل العرف المنشأ لها.. وعلى سبيل المثال فخلافة أبوبكر الصديق رضي الله عنه، كان معللة بكونها الضمانة الأكيدة لمصلحة الدولة بالنظر اڵـى أن التقليد المتبع لدى العرب يومها أنهم لا يعرفون هذا الأمر إلا فـێ قريش، ثم صار الأمر جزءاً من مقررات شرعية يعدها الكثيرون من أصول السياسة الشرعية، وهذا ما يمكن أن يفسر ظاهرة إقصاء المرأة عن الرئاسات الكبرى، باعتبار أنه كان عرفاً مستحكماً ولربما مصلحة معتبرة في زمن من الأزمان، ثم أصبحت بتدرج الإفتاء والتداول، أمراً شرعياً اصلياً يصعب الفكاك عنه، ويستبعد إعادة النظر في مبرراته..!!



وفيما ذكرنا… قدر كاف لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.. وإن كان ثمة عجب.. فلا ينقضي هذا العجب من أقوام محسوبين عڵـى الشريعة، ممن ينادون للقول بعدم جواز تولي المرأة المسلمة لمهمات القضاء والرئاسات الكبرى، عڵـى الرغم أن جلهم يعيشون في ظل أنظمة حكم تسوق الناس سوق القطعان، بأنظمة وراثية بالية مستنزفة، لا تراعي حرمة لشرع، ولا تقيم حقوقاً أوكرامة لإنسان، فلا شورى، ولا انتخاب، ولا مكان لرأي مخالف..!!



ملوك وأمراء ورؤساء وأنظمة ودساتير.. قد تملكوا ناقة الله وسقياها، وبين أياديهم شعوب تساق سوق القطعان، وقد حيل بينها وبين دينها وقرآنها وسنة نبيها المعظم، إلا بالقدر الذي يعزز سلطانهم ويبسط سيطرتهم، ويُحكم استبدادهم وتفردهم..!!



دول وشعوب مسلمة يتداول عڵـى ميراثها ومقدساتها وكرامتها وحرماتها وثرواتها قطعان من المستبدين جيلاً بعد جيل، في تجاهل لبدهيات شرعية أصلية مؤصلة، تعطي لأمة الإسلام الحق في اختيار الإدارة السياسية اڵـتي ستحكمها وترعى مصالحها، وتعطيها الحق في تحديد مدة الحكم، وأن تضع آلية الرقابة والمتابعة، وسبل النصح والإعانة، وطرق العزل وسحب الثقة..!!



قال د. مصطفى الحفناوي (إن الحكم الملكي الوراثي في نظر الإسلام يوشك أن يكون صورة من صور الوثنية ويتنافر كل التنافر مع أصول الحكم في الإسلام) فكرة الدولة في الإسلام ص19. فأولى بهؤلاء المحسوبين عڵـى شرعة الإسلام، أن يذودا عن حياض الأمة المستباحة وكرامة الإنسان المنتهب.



أختتم كلماتي.. وكل يقين بأن الشريعة الإلهية المنزلة، ليست مسؤولة عن أية انتهاكات يتعرض لها الإنسان – رجلاً كان أو إمرأة أو طفلاً – جراء مفاهيم واختيارات بشرية قاصرة جامدة، هي نتاج ثقافة جيل معاصر أثقلته مواريث لا تعبر عن مقاصد التكريم الذي نزلت به الأحكام، واننا اليوم ضحية لتلقي اجتهادات عفا عنها الزمن، وسلوكيات مستورة أو حتى محلية رديئة الصنع.



إن الفرصة سانحة اليوم، ونحن نتنفس برئة الحرية، ونستنشق عبير أزهار الربيع الماجد، أن نعيد ترتيب بيتنا، عڵـى أصول الشراكة والتكافؤ والتكريم اللائق بالإنسان المؤمن، في ظلال شريعة السماء الخالدة المنزلة، وبواقعية تتحرك ضمن دائرة ربانية القيم وبشرية الممارسة.



إننا بحاجة ماسة إڵـى الثقافة الدستورية، وإلى الوعي الحقوقي، وإلى الضمانات الفكرية والأخلاقية الضابطة.. أشعر بالقلق عڵـى المستقبل الحقوقي للأمة الليبية.. الموضوع كبير ويحتاج إڵـى رائد لا يكذب أهله.. إڵـى الأمين الواعي..  وإلى الذكي صاحب الخلق.. أمامنا تضحيات مستحقة، وبطولات لا يكافئ عليها بشر.. قال سبحانه ( وعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) النحل



محمد عمر حسين بعيو

12/06/2013م



راجع: محمد عمر حسين بعيو: الحقوق السياسية للمرأة في ظلال الشريعة..!!



 



محمد عمر حسين بعيو: المرأة المسلمة وكرسي الولاية..!!
المقال التالي المقال السابق
1 تعليقات
  • غير معرف
    غير معرف 22 أبريل 2014 في 9:51 ص

    بارك الله لكم فى مسعاكم ولكنى أتمنى أن يكون هناك مساحه اكبر لما قال الأمام القرافى فقط حتى لا يلتبس الأمر ويكون أكثر توضيحا

إضافة تعليق
رابط التعليق