-->
أسامة محمد المطري: الواقعية المطلوبة لتجاوز التحديات الراهنة في ليبيا

اعلان 780-90

أسامة محمد المطري: الواقعية المطلوبة لتجاوز التحديات الراهنة في ليبيا



من نافلة القول أن ليبيا [libya] تمر بمرحلة حرجة بل هي عڵـى مفترق طرق، فالأخطار اڵـتي تتهدد البلد حقيقية ويعرفها القاصي والداني، لأنها تعكس بدرجة كبيرة انعدام الأمن واستمرار حالات الاقتتال الداخلي وانسداد أي أفق للخروج من الأزمة اڵـتي تعصف بالبلاد فضلا عن تردي الأحوال المعيشية للمواطن، لا شك أن هذه كلها وقائع يعيشها المواطن الليبي بشكل يومي ملموس وليس في حاجة للاستماع للمحللين السياسيين أوقراءة المقالات الصحفية ليعي أبعاد الأزمة اڵـتي نعيش.  فعلا، إن ما يشعر به المواطن من حيرة وقلق وخوف هي "الصورة" الأكثر إفصاحا والأدق تعبيرا والأصدق توصيفا لما يجري في الواقع من أي كتابات صحفية أوتعليقات سياسية.



لكن في نفس الوقت، وجود هذه الأخطار والأزمات اڵـتي تؤسس لشعور الخوف والقلق لدى المواطن والتي تجد مبرراتها في الوقائع شبه اليومية لا يعني استحالة التصدي لها وتجاوزها في المدى البعيد، ولا تعني أيضا استبعاد معالجتها أوعلى الأقل احتواء تداعياتها في المدى القريب، لكن هذا يتطلب وجود قيادة سياسية تمارس تأثيرا ملموسا في مجرى الأحداث وتبعث الأمن والطمأنينة والأمل بين المواطنين عڵـى مستقبلهم، إن تحقيق ذلك- ولوبحدوده الدنيا- كان يمكن أن يشكل حافزا لنا جميعا،حكومة وأفراد ومنظمات، عڵـى ابتكار وسائل وأدوات وحلول من شأنها أن تضعنا في موقع نكون فيه أكثر استعدادا لمواجهة هذه التحديات والأزمات أوعلى الأقل الحيلولة دون تفاقمها إڵـى ما هوأسوء.



لا شك أن المسار ستسلكه ليبيا [libya] نحوالانفراج سيكون مسارا طويلا وشاقا وسيفرض عڵـى الجميع جهود مضاعفة،  ولكي تؤتي هذه الجهود أكلها لابد أن تتحرك في إطار إستراتيجي، تتحد فيه الأفكار مع  الممارسة والخطاب مع التطبيق، الدولة بأجهزتها وقدراتها مع المجتمع بمؤسساته وأطره،  المقاربات التجزيئية  لتحديات بناء الدولة لم تعد تجدي نفعا، فالنجاح في معالجة الملفات المعيشية المتراكمة، وهودور الحكومة، من دون شك سيلبي بعض احتياجات المواطن عڵـى المدى القصير وترفع عنه شيئا من أعباء الحياة اليومية ولكنها ستكون مكاسب وقتية وهمية غير مستديمة بل عرضة للتقهقر فضلا  عڵـى أنها لن تكون بمفردها كفيلة بالنجاح في اختبار تحقيق السلم والأمن الاجتماعي إن لم تندرج كل أفعال  الحكومة ومعالجاتها في إطار إستراتيجية تتصدى بالدرجة الأولى لتوفير البنية التحتية الاجتماعية السياسية لأمرين: العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية من جهة وإعادة بناء شرعية مؤسسات الأمن والجيش للدولة. لا بد من توفير الإطار الذي تتبلور فيه هذه المقاربة الوطنية الاستراتيجية لهذين الاستحقاقين، والذي من شأنه أن يجعل معالجات الحكومة عڵـى المدى القصير أكثر فاعلية واستدامة وأقوى تأثيرا، وهنا يكمن في رأيي الدور التاريخي لأي حوار وطني ووهوتوفير هذا الإطار الاستراتيجي، لا يزال هناك الكثير الذي يمكن إنقاذه والكثير الذي يمكن تحقيقه، فحتى في ظل ما يروج له البعض من إفلاس العملية السياسية القائمة وتآكل شرعيتها واحتمال انهيار مؤسساتها، ستبقى التحديات هي ذاتها مهما كان شكل نظام الحكم القادم وأيا كانت الوجوه اڵـتي ستتصدره، لأنها ببساطة تحديات تخص البنية التحتية السياسية والمجتمعية لأي نظام حكم ولأي عملية سياسية ديمقراطية قادمة وليست مشاكل أوتحديات عارضة. إذا يجب أن نهتم بجوهر وأصل المشكل وليس بمظهره أوتجلياته.



صحيح أن التدهور المطرد للحالة الأمنية يجد أسبابه في المعطيات الموضوعية المتصلة بالانفلات وغياب الردع الأمني،  ولكن الصحيح أيضا أن وقع هذا التدهور عڵـى المجتمع صار اشد وطأة وتبعاته أكثر وخامة ونتائجه أقوى تدميرا عڵـى مسار الانتقال السلمي للديمقراطية بدرجة تفوق بكثير ما لدى تلك المعطيات من قدرة ذاتية عڵـى "التدمير"، مرد هذا التأثير السلبي المضاعف في نظري هوالانطباع بل الاقتناع الراسخ لدى كثيرين بالعجز شبه التام لمؤسسات الدولة والأطر المجتمعية عن إمكانية معالجة هذه المعطيات أواحتوائها.  يخلق هذا الاعتقاد بدوره حالة إحباط أمنية ونفسية واجتماعية انهزامية تحكم مسبقا بالعقم واللاجدوى عڵـى أي  إمكانية قد توفرها الظروف لتفعيل ما تبقى من هيبة مؤسسات الدولة وتضعف أي شعور بالانتماء للوطن والقيم مما يشجع النزوع إڵـى استباحة الأرواح والأعراض والأرزاق، ومع "العراء" الأمني شبه التام  الذي نعيشه فان ذلك كله يؤدي إڵـى تفاقم شعور "أللانتماء" الذي يستتبعه الاجتراء عڵـى الضوابط والقيود مما يؤدي اڵـى ظهور الدولة ومؤسساتها في مظهر العاجزعن ضبط الوضع ومنع انفلاته، وهوما يزيد من حالة الإحباط والانفلات الأمني والأخلاقي وانتشار التصرفات الاستباحية للأرواح والقيم والمقدرات، وهكذا يدخل طرفا المعادلة في دائرة مغلقة يعزز كل منهما الأخر بالشكل الذي يوحي وكأن الذي نعيشه قدرا محتوما يتجاوز قدرتنا عڵـى تغييره أوالتأثير فيه.



بصرف النظر عن مدى دقة السيناريوات التشاؤمية اڵـتي يرددها البعض، سيبقى واجبا عڵـى كل مواطن يهمه مصير هذا الوطن أن يفكر مرة ومرات ويستنفذ كل إمكانات الواقع المتاح للوصول إڵـى حلول أواغناء ما هومطروح منها من اجل التقدم لوخطوة قليلة باتجاه دولة العدالة والكرامة، حتى لولم تغير هذه المحاولات في الواقع شيئا، فهذا يجب ألا يثنينا عن الاستمرار في العمل والتفكير والبحث عن الحلول،  لأنه أمرا ضروريا تفرضه المسؤولية التاريخية والوطنية. حتى في حالة قيام مؤسسات سياسية جديدة عبر العملية الدستورية أوغيرها وحتى إذا استمرت الأوضاع في طريقها إڵـى الانحدار – لا قدر الله- وتوسعت دائرة الاقتتال سيبقى السؤال، ماذا بعد؟ ماذا نحن فاعلون؟ ألن يكون لزاما علينا حينئذ – وبنفس الدرجة من الإلحاح وبغض النظر عن الوضع السياسي الذي قد ينشأ- أن نحاول تجاوز الأزمات والتحديات بكل الوسائل المتاحة الفكرية والعملية وإيجاد مخارج وحلول لننتشل ذواتنا منه؟ هناك عمل يجب أن يبدأ الآن من قبل الجميع والتأخر أوالتقاعس عن القيام به سيؤدي فقط إڵـى زيادة التكلفة وتأجيل موعد استحقاقه ليس إلا.



نعي الوطن وتوظيف مفردات البلاغة العربية في توصيف أوجه الانحراف الذي أصاب المسيرة قد يروحان عن النفس شيئا من الغم والهم ولكنه لا يغير من الواقع شيئا ويبقى خارج حدود إمكانية التغيير والفعل، انه تصرف في منتهى اللامسؤولية الوطنية أن يتم تبادل الاتهامات بين الاطراف السياسية بدل تبادل الحلول والمبادرات.  يبدوأن الخوف عڵـى المستقبل السياسي هوالذي يدفع البعض إڵـى التثبت في مواقعه والإحجام عن التصدي للواقع بمبادرات سياسية جريئة من منطلق الخوف عڵـى رصيد سياسي اكتسبه أوشعبية متوهمة في الشارع أوتفاديا لارتكاب أخطاء قد تستدعي انتقادات، يتصرف بعض السياسيين في السلطة وخارجها  وكأنهم يتوقعون قرب قدوم عاصفة عاتية أوزلزال سياسي،  فيريد كل طرف أن يخرج بأقل الخسائر وألا يطاله  شظايا الواقع المتفجر ليبقوا عڵـى فرصهم في المنافسة عڵـى النفوذ السياسي في المرحلة القادمة، كما أن انشغال الكثير من أصحاب الرأي بتوصيف الفواجع والكوارث دون السعي لتلمس مخارج عملية ملموسة من خلال فهم مجتمعنا وتركيبته وديناميكياته بشكل أدق وبأفكار جديدة، وبمبادرات عملية واقتراحات حلول تطرح للساسة وللرأي العام معا هوأيضا علامة من علامات الأزمة اڵـتي نمر بها، فهويعد استسلاما غير مبرر وتخليا عن دور أصحاب الرأي في هذه المرحلة الحساسة بإطلاق مبادرات عملية بشكل فردي أوجماعي، بل بات مجرد مطالعة عناوين مقالات الرأي عڵـى بعض كثير من المواقع يترك حالة من الذعر والقلق الشديدين من سوداوية المشهد وسوء العاقبة.



وكمثال عڵـى ما ذكرت، يطرح الكثير فكرة إجراء حوار وطني كحل للخروج من الأزمة السياسية ويكتفي الكثير من السياسيين بطرح هذا العنوان دون ذكر أي تفاصيل اڵـتي بدونها يصبح هذا الشعار مجرد حملة علاقات عامة محدودة التأثير.  إذا كان يراد لهذا الحوار أن يكون باعثا عڵـى التوافق السياسي وترميم الشرعية السياسية للدولة بمؤسساتها لتصبح قادرة عڵـى الحركة والفعل، وبالتالي منبرا لتحقيق العدالة الشاملة والمصالحة، فهذا يطرح ضرورة تحديد عدة مسائل متصلة بالحوار من ضمنها : الأطراف المشاركة، قضايا الحوار، مبادئ الحوار، أهداف الحوار وآليات المتابعة، وغيرها. كل مسألة من هذه المسائل في حاجة إڵـى تفصيل من حيث ترجمة مضامينها إڵـى ممارسات قابلة للتطبيق وتحقق الحد الأدنى من الإجماع عبر مخاطبتها لأكبر شريحة ممكنة من الأطراف الفاعلة عڵـى الساحة، لذا ينبغي عڵـى الكتاب الليبيين والباحثين أن يفكروا كثيرا في مثل هذه الأمور وأن يقدموا مقترحات عملية تساهم في إنضاج الفكرة وزيادة وعي قطاع أوسع من الشعب بأهميتها وهذا من شأنه حث وتشجيع القيادات السياسية الحالية أوالمستقبلية عڵـى الإقدام عڵـى مثل هذه المبادرات بدل الاكتفاء بالتوصيف وطرح الحلول العامة اڵـتي لا تكون مضامينها بالضرورة محل توافق بشكل مسبق بين الأطراف الفاعلة، فمطلب الحوار سيبقى مطلبا ملحا.



يجب أن نتحلى جميعنا حكومة ومواطنين بالواقعية المفعمة بالنشاط والحركة وأن نبتعد عن الأسئلة اڵـتي تكون إجاباتها بنعم أولا من قبل هل الليبيون قادرون عڵـى بناء  دولة ديمقراطية تحترم الكرامة والحقوق؟ هل الليبيون قادرون عڵـى تحقيق مبادئ المصالحة  العدالة بعيدا عن الانتقام والأحقاد؟ فهذه الأسئلة تثير ردود أفعال أحيانا تقفز عڵـى الواقع تشاؤما أوتفاؤلا، ما نحتاج إليه هوالفعل وكل ما يؤدي إڵـى الفعل وبالتأكيد نحن في غنى عن ردود الأفعال، خاصة اللاواقعية منها.



كيف وصلنا إڵـى ما وصلنا إليه؟ وما هي فرص إعادة الأمور إڵـى مسارها نحوبناء دولة ديمقراطية تحترم الكرامة والحقوق؟ أين تكمن فعلا الملفات العالقة؟ ما هي أوجه القصور فيما هوقائم من مبادرات وكيف يمكن تجاوزها؟ هذا هي الأسئلة الذي يجب أن تستحوذ عڵـى ذهن كل من يتصدى للشأن العام لأنها تستحث جهودنا ومخيلتنا إن لم يكن لإيجاد حلول شافية ووافية فإنها عڵـى الأقل تقربنا إڵـى فهم واقعنا ومشكلاتنا وتعقيداتها بشكل اكبر وهوالأمر الذي يمنحنا القدرة عڵـى مواكبة المتغيرات وابتكار مخارج للازمات وتحديد ساحات التلاقي والتوافق الوطني دون التنازل للفوضى واللامبالاة السياسية والأخلاقية. 



أسامة محمد المطري

 




أسامة محمد المطري: الواقعية المطلوبة لتجاوز التحديات الراهنة في ليبيا
logo
تطوير المواقع والبرمجة وامن المعلوميات
  • فيسبوك
  • تويتر
  • انستغرام
  • اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد

    مواضيع ذات صلة

    لا توجد مواضيع أخرى في هذه الفئة.
    فتح التعليقات
    إغلاق التعليقات

    0 الرد على "أسامة محمد المطري: الواقعية المطلوبة لتجاوز التحديات الراهنة في ليبيا"

    إرسال تعليق

    اعلان اعلى المواضيع

    اعلان وسط المواضيع 1

    اعلان وسط المواضيع 2

    اعلان اسفل المواضيع