التداعيات السياسية لقانون العزل السياسي في ليبيا


تغيير موازين القوى: التداعيات السياسية لقانون العزل السياسي في ليبيا



كامل عبد الله* – الأهرام: أصدر المؤتمر الوطني العام في ليبيا [libya] يوم الخامس من مايو الجاري قانون العزل السياسي في البلاد، والذي يقضي بعزل كل من عمل مع النظام السابق منذ 1 سبتمبر1969 إڵـى 23 أكتوبر 2011، ومنعهم من تولي أي مناصب قيادية في الإدارة الجديدة للبلاد. وقد جاءت الموافقة عڵـى إصدار القانون بعد ماراثون طويل خاضه القانون المثير للجدل داخل أروقة المؤتمر الوطني العام في ليبيا، والذي شهد تجاذبات سياسية حادة بين مختلف القوى والكيانات السياسية المتنافسة في البلاد حول إصدار هذا القانون الذي سبق للمؤتمر الوطني أن وافق عڵـى إصداره في يناير الماضي.



وينص قانون العزل السياسي عڵـى عزل كل من أفسد حياة الليبيين السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وتولى مناصب قيادية إبان حكم العقيد الراحل معمر القذافي، متضمنا ثلاثين فئة حددها القانون، كما نص عڵـى إنشاء هيئة جديدة تكون بديلا عن الهيئة العليا لمعايير النزاهة والوطنية اڵـتي أنشأها المجلس الوطني الانتقالي السابق. وهذه الهيئة، بحسب ما جاء في القانون، هي هيئة "تسمى هيئة تطبيق معايير تولي المناصب العامة"، وتتمتع هذه الهيئة بالشخصية الاعتبارية، والذمة المالية المستقلة، ويكون مقرها مدينة طرابلس، ويكون لها أن تنشئ فروعاً أو مكاتب لها في غيرها من المدن بحسب الأحوال. وبناء عڵـى المادة الأخيرة من هذا القانون، فإنه سيتم العمل بهذا القانون بدءًا من الخامس من يونيو المقبل، ويُلغى كل حكم مخالف له، ويتم تطبيقه لمدة عشر سنوات.



جاءت الموافقة عڵـى هذا القانون المثير للجدل بعد مخاض عسير، وخلافات كبيرة شهدها المؤتمر الوطني، وكذلك الشارع الليبي بين المؤيدين والمعارضين لهذا القانون، لما تضمنته الصياغة الأولية لهذا القانون اڵـتي تضمنت 36 فئة للعزل السياسي، كما واجهت نقدا كبيرا بسبب التسييس الواضح الذي تعرضت له من قبل الكتل السياسية، خاصة الإسلاميين الذين كانوا مصرين عڵـى إقرار القانون بصيغته الأولى اڵـتي كانت عڵـى ما يبدو أنها تستهدف تيارا سياسيا بعينه مهما كلف الأمر، لدرجة وصلت لحصار مسلح فُرض لأيام عڵـى عدد من الوزارات السيادية من قبل الميليشيات المسلحة، والداعين للإقرار العزل السياسي في البلاد، الذي سيستفيد منه الاسلاميون أكثر من غيرهم في ليبيا.



وقد تمت الموافقة عڵـى القانون بأغلبية الأصوات، حيث صوت 157 عضوا بالموافقة عڵـى القانون من الـ 160 عضوا الذين حضروا جلسة التصويت، اڵـتي غاب عنها رئيس المؤتمر الوطني، محمد يوسف المقريف، أبرز المشمولين بالعزل لشغله منصب سفير ليبيا [libya] في الهند خلال فترة الثمانينيات إبان حكم القذافي.



التجاذبات السياسية حول قانون العزل



لعبت الأحداث الأخيرة اڵـتي تعرضت لها ليبيا، قبل إصدار قانون العزل السياسي، دورا مهما في التعجيل بإصداره، بعد أن أعلن المطالبون به تمسكهم بإصداره بصيغته الشاملة للتخلص ممن عملوا مع نظام القذافي، ولذا قاموا بحصار الوزارات السيادية بالعربات المسلحة، ومنعوا المسئولين من دخولها، حتى يتم إقرار القانون،والذي تم فعلا بعد الضغط الكبير الذي تعرضت له الحكومة والمؤتمر الوطني.وقد تمثل أول تداعيات هذا القانون في تجدد حصار وزارتى الخارجية والعدل من قبل الميليشيات المسلحة مرة أخرى للمطالبة بإقالة الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة عوض البرعصي، النائب الأول لرئيس الحكومة الحالية، والمحسوب عڵـى الإخوان المسلمين.



ويبدو أن القوى الإسلامية، وفي مقدمتها كتلة العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، والقوى الإسلامية الأخرى اڵـتي تدور في فلكها، هي الآن سيدة الموقف في ليبيا، وأكبر المستفيدين من إقرار هذا القانون. وترى أن علي زيدان، رئيس الحكومة الحالية، محسوب عڵـى تحالف القوى الوطنية ذى التوجه الليبرالي، أكبر الكتل السياسية في المؤتمر الوطني، كان قد صرح -خلال تقديم فريقه الحكومي للمؤتمر الوطني عن المشكلات اڵـتي واجهته أثناء تشكيل الحكومة– بأن هناك من لا يرغب في وجود  بعض الشخصيات الوطنية اڵـتي عملت في السابق في الإدارة الجديدة للبلاد، الأمر الذي رآه الإسلاميون أنه رغبة مكتومة لدى زيدان في الاستعانة بمن عملوا مع نظام القذافي.



إضافة إڵـى أن شخصية علي زيدان القوية جعلته يصطدم أكثر من مرة معهم، خاصة عندما طُرح العميد عاشور شوايل وزيرا لللداخلية الذي رُفض من قبل الإسلاميين، واستبعدته في البداية الهيئة العليا لمعايير النزاهة والوطنية، لأنه عمل مع النظام السابق قبل أن يعود إڵـى منصبه بحكم قضائي.ويمكن القول إن القوى اڵـتي تبنت العزل السياسي في ليبيا [libya] قد نجحت في فرض رأيها بالقوة عڵـى باقي القوى السياسية الأخرى في الشارع الليبي، وأوصلت رسالة قوية إڵـى المعارضين لها بأنها يمكن أن تذهب إڵـى أبعد من ذلك، إذا أصرت القوى الأخرى عڵـى التمادي في معارضتها.



تداعيات متوقعة للعزل السياسي



وثمة تداعيات متوقعة لقانون العزل السياسي عڵـى المشهد السياسي في ليبيا، سواء عڵـى المؤتمر الوطني العام، أو حتى الحكومة الحالية، أو حتى القوى السياسية الموجودة والمؤثرة الآن عڵـى الساحة السياسية، وكذلك بالنسبة للأطراف الدولية والإقليمية.



فعلى مستوى المؤتمر الوطني العام، سيفقد المؤتمر أكثر من أربعين عضوا عڵـى الأقل من أعضائه مقاعدهم في المؤتمر، وهو الأمر الذي سيترتب عليه بلا شك تغيير خريطة التكتلات والتوازنات بين القوى السياسية داخل المؤتمر الوطني العام. فتحالف القوى الوطنية، أكبر الكتل الحزبية داخل المؤتمر الوطني، والذي لديه 39 مقعدا في المؤتمر، سيكون أول المتضررين من هذا القانون، رغم أنه قد حاول عرقلة صدروه أكثر من مرة. كما أن حزب الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، والذي لديه ثلاثة مقاعد، سيفقد مقعدين هو الآخر، حيث سيشمل القانون محمد المقريف، زعيم الحزب، وإبراهيم صهد، عضو المؤتمر.



بالإضافة إڵـى أن هناك مدنا أخرى، مثل مدينة بني وليد، كانت هيئة النزاهة والوطنية قد استبعدت ممثليها من المؤتمر ضمن الـ15 عضوا الذين استبعدتهم الهيئة، فضلا عن استقالة كل من علي زيدان، الذي يشغل منصب رئيس الوزراء، وحسن الأمين الذي استقال اعتراضا عڵـى الأوضاع المتردية اڵـتي تعيشها ليبيا، وانتشار وسطوة الميليشيات المسلحة في ليبيا.وستعزز القوى الاسلامية من وجودها داخل المؤتمر بعد إقرار العزل السياسي، خاصة حزب العدالة والبناء، والقوى الإسلامية الأخرى، والمستقلين، لأن النظام الانتخابي في ليبيا [libya] يسمح بأن يحل المرشح التالي في الدائرة محل العضو الذي يُستبعد من المؤتمر.



أما بالنسبة للحكومة، فهي الأخرى يطالب المؤيدون للعزل السياسي بإقالتها، رغم أن هناك أربعة وزراء عڵـى الأقل ستتم الإطاحة بهم بسبب هذا القانون، وهم وزير النفط عبد الباري العروسي، الذي كان يشغل منصبا كبيرا في إحدى شركات النفط الحكومية الكبيرة إبان حكم القذافي، وكذلك وزير الدفاع الحالي محمد البرغثي، الذي كان أحد ضباط سلاح الجو بالجيش الليبي، ووزير المالية الكيلاني عبدالقادر الجازي، الذي عمل أستاذا بجامعة حكومية في السابق، ووزير الداخلية عاشور شوايل، الذي سبق أن استبعدته الهيئة العليا لمعايير النزاهة والوطنية، قبل أن يعود لمنصبه بحكم قضائي، إضافة إڵـى رئيس الحكومة الذي ربما سيطاله العزل، رغم أنه كان دبلوماسيا بدرجة سكرتير ثالث في إحدى السفارات الليبية في الخارج، قبل أن ينشق عن نظام القذافي في فترة الثمانينيات، والذي قرر المبادرة بإجراء تعديل وزاري عڵـى حكومته من أجل أن يمتص الغضب المتنامي ضد حكومته في الشارع الليبي، والآن تطالب المليشيات بضرورة إبعاده عن رئاسة الحكومة.



أما عڵـى مستوى الكيانات والقوى السياسية، فسيطرأ عليها تغيير في التوازنات الموجودة في الشارع من قانون العزل، حيث إن كتلة تحالف القوى الوطنية ستفقد رئيس التحالف محمود جبريل الذي عمل وزيرا للتخطيط إبان حكم القذافي، والتي ترى أن هذا القانون فُصل خصيصا لإبعاده من الساحة السياسية، رغم أن التحالف حقق نجاحا كبيرا، وحصل عڵـى غالبية الأصوات في انتخابات المؤتمر الوطني اڵـتي جرت في يوليو الماضي. أيضا، سيفقد حزب الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا [libya] زعيمه محمد يوسف المقريف، الرئيس الحالي للمؤتمر الوطني العام، كما ستفقد العديد من الأحزاب السياسية الأخرى الكثير من كوادرها وقياداتها اڵـتي تطالها فئات العزل اڵـتي تضمنها القانون الجديد. بينما سيتعزز نفوذ الإسلاميين في الشارع السياسي الليبي، وستصبح الساحة ممهدة لهم أكثر من قبل، بعد أن تم إقصاء الخصوم المؤثرين منها.



وبالنسبة للجهاز البيروقراطي للدولة، فسيشهد هو الآخر تغييرا شاملا وجذريا بسبب العزل السياسي، خاصة أن القانون يمس صلب الجهاز الاداري للدولة، مما سيفقد البلاد الكثير من الكفاءات والخبرات الإدارية اڵـتي هي الآن في أمس الحاجة إليهم لتسيير الأمور الإدارية المختلفة.



وفيما يتعلق بالقوى الدولية والإقليمية، فإن إبعاد الرموز الوطنية اڵـتي انشقت عڵـى نظام القذافي، والتي تصفهم بالاعتدال، وكان لهم دور فعال ولا يمكن إنكاره في إقناع المجتمع الدولي بعدالة قضيتهم، والمشاركة في الإطاحة بنظام القذافي، سيفقد ليبيا [libya] الكثير، وربما يعيدها إڵـى المربع الأول الذي كانت عليه ليبيا [libya] خلال حكم القذافي، خاصة أن الكثير ممن لن يشملهم العزل السياسي تنظر لهم القوى الدولية بعين الريبة والشك، وذلك مع الأخذ في الحسبان أن الوضع الأمني في ليبيا [libya] هو الآن في قبضة جهاديين سابقين، كانت الولايات المتحدة- عڵـى سبيل المثال- تتعقب الكثير منهم، وتضعهم عڵـى قوائم الإرهاب، كما أن المجتمع الدولي غير مقتنع بتوليهم نصاب الأمور في ليبيا [libya] الجديدة.



إرباك المشهد سياسي



لا شك فـێ أن إقرار قانون العزل السياسي في هذه المرحلة الحرجة اڵـتي تمر بها ليبيا [libya] سيسبب إرباكا كبيرا فـێ المشهد السياسي في البلاد، هي الآن في غنى عنه، نظرا لاستمرار تردي الوضع الأمني، والانتشار المكثف للسلاح، والميليشيات المسلحة في العاصمة طرابلـس [Tripoli] ومعظم المدن الليبية، خاصة في غرب البلاد اڵـتي تعاني أيضا صراعات تتسم في أغلبها بالطابع القبلي المصحوب بالعنف في أغلب الأحيان.



ويمكن القول إن حكام ليبيا [libya] الجدد لم يستفيدوا من التجربة المصرية في العزل السياسي، واستعانوا بديلا عنها بالتجربة العراقية، واجتثاث حزب البعث الذي عڵـى خلفيته تم تفكيك الدولة العراقية، وجعلها تعاني إڵـى الآن من هذه التجربة اڵـتي أفقدتها الاستقرار السياسي. كما أن تطبيق العزل السياسي بالطريقة اڵـتي حدثت، بعد التهديد بالقوة لإجبار المؤتمر الوطني عڵـى إقراره، هو تكريس لثقافة المظاهر المسلحة، واستخدام السلاح من أجل تحقيق مكاسب سياسية، خلال الاستحقاقات المقبلة اڵـتي ستقدم عليها البلاد، إذا أُخذ في الحسبان أن كافة الأطراف في ليبيا [libya] الآن تملك السلاح والميليشيات، اڵـتي من خلالها تستطيع أن تدافع عن مصالحها.



وربما تشهد ليبيا [libya] تكرارا للمشهد نفسه الذي حدث خلال إقرار قانون العزل السياسي، خلال الاستحقاقات المقبلة اڵـتي ستُقدم عليها في الأيام المقبلة، وفي مقدمتها انتخابات الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، ومستقبل الحكومة الحالية اڵـتي يطالب المؤيدون للعزل السياسي بإقالتها عڵـى الفور، بعد صدور القانون، وكذلك اختيار رئيس جديد للأركان، خلفا ليوسف المنقوش الذي بات الخلاف حوله يزداد حدة بسبب عدم نجاحه إڵـى الآن في وضع الأسس اللازمة لبناء جيش جديد، فضلا عن الاتهامات اڵـتي تُساق ضده حول محاباته لبعض الميليشيات المسلحة.



* باحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام



نقلا عن: الأهرام



 



 



التداعيات السياسية لقانون العزل السياسي في ليبيا
المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق