د. خليفة علي ضو: سلسلة ليبيا التي نريد: الوفاء
سلسلة ليبيا [libya] اڵـتي نريد: الوفاء
لقد من الله سبحانه وتعالى علينا بنجاح ثورة 17 فبراير، وتمكنا بفضله من اسقاط أعتى وأوسخ نظام دكتاتوري همجي في العصر الحديث، نظاما استعبد الشعب الليبي واستولى عڵـى جميع مقدراته وسلب إرادته لفترة امتدت حوالي 42 سنة. نعم لم يستكن الشعب الليبي بالكامل للطاغية، وكانت هناك عدة محاولات لقلب نظام حكمه، وظهر العديد من أشكال المقاومة بين الحين والآخر، وفي مختلف مناطق ليبيا، بما في ذلك بنى وليد، ولكنها جميعا باءت بالفشل لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى. وقدم آلاف الليبيين حياتهم وحرياتهم وربما وظائفهم ومصدر قوتهم، أو هاجروا وتركوا أرض الوطن حتى لا يتسخوا أو يتلوثوا بميكروبات وساخة نظام الطاغية، وهي جميعا أثمانا باهظة للوقوف في وجه الطاغية بأشكال مختلفة، طوال فترة حكمه.
وقد كان من بين أولئك المجاهدين من وقف علنا وأمام كمرات التلفزيون وفي اجتماع لما كان يعرف بمؤتمر "الشغب" العام، وبحضور الطاغية نفسه، وأعلن استقالته من منصب "أمين العدل"، احتجاجا عڵـى ممارسات النظام غير العادلة، لقد كان هذا الرجل هو السيد المستشار مصطفى عبد الجليل. كم من الليبيين قام بمثل هذا الفعل في ذلك الوقت، القليل والقليل جدا. ويا ترى كم ممن يدعون البطولات حاليا قد قام فعلا بمثل هذا العمل في ذلك، ربما لا أحد.
وعندما أراد العلي القدير، وتفجرت ثورة 17 فبراير المجيدة، وتنادى أهالي بنغازي وثوارها وهداهم الله سبحانه إڵـى تكوين جسم يمثل الثورة ويقودها، واتفقوا عڵـى تسمية السيد عبد الجليل لرئاسة المجلس الوطني، وافق الجميع علنا وسرا عڵـى هذا الاختيار الموفق. كم من الليبيين كان مستعدا في تلك الظروف العصيبة أن يظهر تأييده علنا للثورة؟ وكم منهم كان مستعدا أن يعلن اسمه كعضو في المجلس الانتقالي أو المجلس التنفيذي؟ وكم كان مستعدا أن يكون عڵـى رأس ذلك المجلس، وهو يعلم أن ذلك معناه وضع رأسه عڵـى كفه وتعريض حياته للموت المؤكد من قبل الطاغية وزبانيته؟ القليل والقليل جدا.
من الذي استطاع بحكمته ووسعة باله وسماحته وهدوئه أن يقود الثورة في تلك الفترة العصيبة من بداية العمل الثوري والكفاح المسلح ضد أوسخ نظام مستبد في التاريخ الحديث؟ من كان بإمكانه أن يلم شمل الجميع ويحتضنهم ويجاريهم ويسمع لهم ويواسيهم ويحثهم عڵـى الصبر والتعاون ويقودهم جميعا حتى تصل السفينة إڵـى بر الأمان؟ القليل والقليل جدا.
من الذي استطاع أن يمتص غضب الفئات المتنافسة ويحد من جنوح المندفعين ويهدئ من روع القلقين ويحافظ عڵـى وحدة الهدف الأول هو إزاحة الطاغية، ثم تحقيق الهدف المرحلي الثاني وهو إجراء انتخابات حرة ونزيهة استطاع الشعب الليبي لأول مرة أن يعبر من خلالها عن رأيه ويختار ممثليه بكل حرية وشفافية؟ القليل والقليل جدا.
لقد كان السيد المستشار مصطفى عبد الجليل من بين ذلك القليل والقليل جدا. طبعا هو لم يقم بالعمل لوحده، بل تحمل العبء والمسؤولية والعناء معه الكثير من زملائه من داخل المجلس الوطني الانتقالي ومن المكتب التنفيذي ومن خارجهما.أتدرون أن أحد مشاكل الثورة السورية، اڵـتي نرجو من الله العلي القدير أن يحقق لها النصر القريب عڵـى قوى الشر والظلم، هي عدم تمكن الثوار السوريين من الاتفاق عڵـى شخصية واحدة لقيادة الثورة حتى الآن.
للعلم أنا لا تربطني أية علاقة مع السيد عبد الجليل، إلا علاقة الدين والوطن. ولم أره شخصيا عن قرب إلا مرة واحدة وكانت خلال شهر مارس من عام 2011، في لقاء عقد لجمع التبرعات للثورة بقاعة بنغازي للمناسبات. وقد ألقى سيادته كلمة طيبة في ذلك اللقاء، ولم أحاول حتى السلام عليه نظرا لكثرة الناس الذين التفوا حوله بعد انتهاء اللقاء، منهم كان يبكي ويقبله ويسلم عليه ويشده عڵـى يديه، ومنهم من اكتفى التهليل والتصفيق. وكنت قد رجعت إڵـى ليبيا [libya] خلال تلك الفترة للقيام بما أملاه الواجب الوطني، وما هيأه الله سبحانه وتعالى لنا من تقديم العون والنصرة للثورة المباركة. أثناء تلك الزيارة القصيرة إڵـى ليبيا [libya] ألتقيت بعدد لا بأس به من الليبيين ممن اضطروا، كما يقولون، للخروج من ليبيا [libya] إڵـى مصر، أو كانوا في طريقهم للخروج إڵـى مصر.
يعنى ناس عاديين هاربين إڵـى مصر، ومصطفى عبد الجليل، وزملاؤه، يتحدون نظام الطاغية علنا ويتصدرون الثورة رسميا، في سبيل الله والوطن. طبعا كان هناك عشرات الآلاف من الليبيين الذين قدموا أرواحهم ودماءهم في سبيل حرية الوطن، منهم من أعطاه الله الشهادة، وهذا شرف ونعمة كبيرة منه سبحانه، ومنهم من بترت أطرافه ومن اعتقل وعذب، ومنهم من عانى وربما لا زال يعاني من آثار نفسية، ومنهم من فقد. فجازاهم الله عنا جميعا خير الجزاء دنيا وآخرة إن شاء الله تعالى.
ولكن ما يحز في النفس فعلا أن اليوم، وبكل أسف، يأتي أناس لم نسمع عنهم خلال الفترة الأولى من عمر الثورة، يدعون البطولات، ويكيلون الانتقادات للسيد المستشار وزملائه، ويحاسبونهم عڵـى بعض التصرفات والقرارات خارج الظروف والاطار الذي تمت فيه. ويبدو للبعض منا عڵـى الأقل، أن منطلق هذه التصرفات هو التجريح والتشفي والتحطيم لكل رموز الثورة وأعلامها، حتى يبنوا مجدا زائلا عڵـى جماجم الثوار الحقيقيين والشرفاء والمخلصين.
حرية الرأي والتعبير طبعا يجب أن تكون مكفولة للجميع، ولكن عڵـى كل من يريد أن ينتقد رموز الثورة أن يتقي ألله أولا، ثم ليبين للناس من هو وماذا قدم هو شخصيا للثورة، قبل أن ينتقد الآخرين.أين الوفاء؟ أين حسن الخلق؟ أين تقوى الله؟ أين نحن من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن يتكلم فليقل خيرا أو ليصمت"؟ بل أن نحن من قول الحق جل وعلى: (قل لعبادي يقولوا اڵـتي هي أحسن، إن الشيطان ينزغ بينهم، إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا)؟
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ربنا أهدنا وأهدي بنا إنك أنت السميع العليم.
والله أكبر ولله الحمد.
عاشت ليبيا [libya] حرة مستقلة موحدة.
د. خليفة علي ضو
د. خليفة علي ضو: سلسلة ليبيا التي نريد: الوفاء