أحكمكم… أقتلكم…. أكفركم

لم تبدأ الصدامات العنيفة فـێ بنغازي يوم السبت الماضى 8 يونيو بل بدأت  يوم صدر قرار المجلس الوطني الانتقالي بتعيين الحبر الاعظم مفتيا للديار وبدأ منذ تسلم منصبه ببث الفتنة بين الليبيين فعمل علي تقسيمهم وبدأ باعتبار الأمازيغ خوارج وأخرجهم من أهل السنة والجماعة – لانهم الطرف الضعيف –  ثم قسم بقية الليبيين إڵـى مسلمين وكفار المسلمون من اتبعوا هواه والكفار من عارضوه أو لم يقبلوا بأفكاره وما يراه.


والحبر شخصية تثير الاعجاب لما يتمتع به بمواهب عديدة يندر أن تجتمع فـێ شخص واحد فهو مراسل صحافي ناجح غطى أخبار إضراب الطلبة وناقش المضربين وأعجب بمقالاتهم  وعاد إڵـى منزله( فنام قرير العين) برغم أنه كان يستطيع الذهاب إڵـى الجنوب أو إڵـى بنغازي لتغطية أحداث أهم. وهو خبير استراتيجي  وخبير فـێ التنظيم والادارة وأستاذ فـێ الاقتصاد وأستاذ فـێ الشريعة وفى أوقات الفراغ يمارس هواية الافتاء.


ولا يكتفى بهذا بل يرى أنه ضمير الامة يستشف مطالبها ويعبر عن أحلامها ويدافع عن حقوقها وفى الوقت ذاته أمير الثوار وشيخهم الذى ينصاعون لأمره ويخضعون لمشيئته بمعنى أنه يملك قوة السلاح وقوة المنطق وحب الشعب لشخصه الكريم وها هو الرسول بعث من جديد.


وبناء عڵـى ما سبق، أرسل إڵـى المؤتمر الوطني العام – من باب التناصح – وثيقة من عشرة بنود – نسخة مرفقة – ينبهه فيها إڵـى أخطاءه ويشرح له ما ينبغي أن يقوم به ويهاجم الحكومة – لانها الطرف الضعيف – وكيف أنها تتجاوز شرعية المؤتمر وتتغول عڵـى سلطته  وتقوم بتصرفات خفية لا تطلعه عليها ويسمى كل هذا نصحا ولا يسميه فتنة


وبعد أن يبدأ بشكرهم عڵـى قانون العزل الذى (لاقى استحسان جميع الليبيين) ينبههم إڵـى الأخطاء الجسيمة اڵـتي ارتكبوها بتراخيهم فـێ الدفاع عن الدين والاهمال فـێ إدارة الدولة ثم يحدد مهامهم ويرسم لهم خارطة الطريق. ويبدأ بتحديد القرارات اڵـتي ينبغي عڵـى المؤتمر اتخاذها واعتماد القوانين الصارمة اڵـتي تعاقب بأشد عقوبة كل من يخالف أوامر الدين ونواهيه فـێ صورتها الوهابية لان الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقران  ثم يتجاوز التنبيه إڵـى التهديد بأن الثوار هم القوة الوحيدة عڵـى الارض وأنهم لن يضعوا أسلحتهم ألا بعد أن يتأكدوا أن الدولة الليبية دولة دينية صرفة يسود في مدارسها التعليم الشرعي ويكون مركز السلطة فـێ كل إدارة مستشار شرعي كلمته سيف عڵـى رقاب العاملين. ثم ينبههم إڵـى السرقات والرشوة فـێ قطاع الجرحى وعقود وزارة الدفاع والفساد المستشري فيها ويعترض على  سياسة إرسال الطلبة للدراسة بالخارج.  وهاجم القضاة – لانهم طرف ضعيف -  وحرض ضدهم  ثم تناول قضية وزارة الاوقاف وتساءل وبراءة الاطفال فـێ عينيه عن سبب بقاء منصب الوزير شاغرا


ثم يتطرق إڵـى صلب الموضوع ومكمن الحرج الحقيقي له وهى ( ما يسمى بالحرية ) ومشكلة الاعلام بالضرورة. ويطالب بعقوبة رادعة لكل من تعدى عڵـى العلماء ويتهم الكتاب الذين يكتبون ما لا يروق له بالتعدي عڵـى ذات الباري


ويعود ليصب حقده الاكبر عڵـى الحكومة ويسوق في حقها  اتهامات باطلة يعجز عن إثباتها، ثم  يخص وزارة الخارجية باهتمام زائد ويتهمها بالاستعلاء عڵـى هيئة النزاهة. ويحتج عڵـى تأخرها فـێ الاعتراف بجمهورية كوسوفو الاسلامية كما يسميها


والخلاصة أنه هاجم فـێ بيانه مؤسسات الدولة الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية واختار فـێ وضوح شديد  الاستقواء بحاملي السلاح – الطرف القوى- ولو كانوا خارجين عن سلطة ولى الامر.


إنه يخطئ حين يخاطب المؤتمر الوطني العام باسم الشعب لأن المؤتمر هيئة منتخبة من جماهير الشعب  وأعضاءه هم ممثلوه الحقيقيون ولم تكلفه الجماهير لا تصريحا ولا تلميحا التعبير للمؤتمر عن امتنانها لقانون ولا بانتقاد سياسة ولا باتخاذ قرار. ولم يمنحه أحد من الليبيين الحق فـێ الكلام باسمه بل إن جماهيرا غفيرة تتمنى لو تركها وشأنها وكف عن التدخل فى  شؤنها.  ولو كلف مكتبا من مكاتب قياس الرأي بقياس شعبيته لفاجأوه بالقول اليقين ولصدمته النتيجة


والمؤتمر هيئة سياسية هدفها خدمة الشعب الليبي وليس  خدمة المسلمين, وهى هيئة مدنية تسعى نحو المصلحة ولا تعمل عڵـى نشر المبادئ وتدخله فـێ شأنه تدخل فيما لا يعنيه والقانون الذى ينظم عمله يحظر عليه التدخل فـێ شئون السياسة وشئون القضاء.  ولو قبل المؤتمر منه التهنئة أو النصح  فعليه أن يقبل منه بعد ذلك اللوم والتقريع ولو أعطوه الحق فـێ توجيه سياسات المؤتمر والتدخل فـێ اختصاصاته فليس لهم أن يلوموا إلا أنفسهم كلما ازداد توغله فـێ سلطاتهم لان حقه فـێ توجيه النصح سيتطور إڵـى حق فـێ إصدار الاوامر.


وهو الوحيد فـێ هذه الدنيا الذى يتوهم أنه يتكلم باسم الشعب وباسم الله فـێ أن واحد وحين يردد قوله تعالى فـێ سورة الحجرات ( إن أكرمكم عند ألله اتقاكم )  فإنه يريد القول بما أنى أتقاكم إذا فأنا أكرمكم  وحيث أنى أكرمكم لذا يجب علي أن أحكمكم  وحيث أنى أكثركم علما بالشريعة فأنا أقدركم عڵـى تطبيقها وبالتالي أنا أحق بالحكم من أي شخص أخر. ومن عارضني فهو كافر يعارض شرع ألله. وهذه نظرية ولاية الفقيه الشيعية وهذا ما يصبو إليه ويسعى.


وحرصا عڵـى وقت القارئ وعلى الحيز المخصص لى فسأقتصر عڵـى تناول نقاط قليلة تكشف ما يعانيه من تخبط واستعداد  للمغالطة، تتعلق الاولى بتساؤله البريء  عن خلو منصب وزير الاوقاف والاصل أن الوزير المعين هو أستاذ متميز فـێ الشريعة لم يتمكن من استلام وظيفته لان مجموعة محسوبة عڵـى الحبر الاعظم هددته بالقتل لو عبر باب الوزارة لسبب واحد هو أن الوزير عضو فـێ اتحاد علماء ليبيا [libya] الذى لا يخضع لسلطات الحبر الاعظم ويعارض توجهاته ويعارض رغبته فـێ السيطرة عڵـى المساجد والمنابر، والحكومة لا تريد أن تمكن الحبر من ذلك..


ثم يشن هجوما  ظالما عڵـى وزارة الخارجية ويتهمها بتعمد عدم الاعتراف بدولة كوسوفو المسلمة وهو هنا إما أنه يقدم حقائق مغلوطة يعلم مقدما بكذبها أو أنه يتكلم بغير علم ويفتى بما لا يفهم وسأقرأ له المادة الاولى فـێ دستور دولة كوسوفو (تعريف، كوسوفو  جمهورية برلمانية ودولة لجميع مواطنيها، وأن جمهورية كوسوفو هي دولة علمانية وحيادية عڵـى صعيد المعتقدات الدينية) ويا حبذا لو كان يرغب لنا أن نكون دولة مسلمة عڵـى غرار دولة كوسوفو ويا  حسرة لو كانت فتاويه تقوم عڵـى هذا النهج من التسطيح وعدم المعرفة.


  عليك فقط أن تلاحظ أن أتباعه هم الذين حاصروا وزارة الخارجية وعطلوا العمل بها وأنه بارك فعلهم ووصف اعتدائهم عڵـى سلطة الدولة أي ولى الامر  بأنهم عڵـى حق  والشيخ وحملة السلاح يجمعهما سبب واحد  أهم من كونهم عڵـى الحق هو أن التوظف بالخارجية يتيح التعيين بالخارج وقبض مرتب مضاعف بالدولار أو باليورو خاصة بعد أن نعين مستشارا فـێ الشريعة فـێ كل سفارة وقنصلية ويا حبذا لو لبس وزير الخارجية الهركة ووضع عمامة وأطلق لحية.


وحين يحث المؤتمر أن يصدر القرارات الرادعة لفرض رأيه عڵـى المواطنين بحجة( أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقران)  فإنه يقول أنى لم أستطع أن أقنع الناس بأفكاري ولم أصمد فـێ النقاش الحر، لذلك ينبغي عڵـى المؤتمر فرضها عڵـى الناس بالقوة،


 ولأنه لا يملك القدرة عڵـى أن يقرع القول بالقول ويواجه الحجة بالحجة فإن هاجسه  هو (ما يسمى بالحرية) وعدوه هو الاعلام برغم أن الاعلام يتيح له ساعات وساعات من البث المباشر لكنه لم يحسن استغلالها وخسر المعركة لان الاعلام يتيح للآراء المختلفة فرصا متساوية وهو  لا يقوى عڵـى المجابهة فيكون  الحل السهل هو أن يصدر المؤتمر القرارات واللوائح اڵـتي تعطيه وحده حق الكلام وتحظر انتقاده أو الاعتراض عڵـى مقولاته وتعتبر من عارضه كافر لانهم أطلقوا ألسنتهم بالسوء عڵـى حملة العلم – يقصد نفسه – ويتهمهم بالكفر والتعدي عڵـى ذات الباري


وحين يتدخل فـێ أحداث بنغازي مرتديا عباءة الدين. يصير الحبر أكثر سوادا  بعدما تخلى مؤقتا عن صفة ضمير الامة المدافع عن حقوق الملايين ولأنه لن يكون صادقا لو قال أن الليبيين يشكرون الميليشيات المسلحة لانها قتلت منهم العشرات وجرحت المئات فإنه إخطار أن يكون عدوا لهم يقف فـێ صف من قتلوهم بدم بارد ويدافع عنهم ويختلق لهم الاعذار ويطلب من أولياء الدم التسامح والصفح عن ثاراتهم.


وربما تشعر بالعجب من مواقفه المتعارضة وتعتقد أن الحبر يكيل بمكيالين لكنه يكيل بمكيال واحد هو المصلحة الشخصية والانحياز للجانب الاقوى وهى للأسف واحدة من علامات الشخصية السيكو بآتيه اڵـتي تتميز بحبها المفرط للنفس ترى أنها مركز الكون تدور الشمس من أجلها. وصولية تحتمى بالقوى وتدوس عڵـى الضعيف ولا يهمها مدى الضرر الذي يصيب  الاخرين فما هم إلا أداة لتحقيق غايتها. لكنها من فرط حبها لنفسها تبتعد عن المواجهة وتتخفى وراء شخص قوى وتبتعد عن دائرة الصراع ولذلك تجده إڵـى جانب الطرف القوى فـێ كل نزاع. وهو ما يشرح موقفه فـێ أثناء الثورة حينما فر إڵـى بلاد الكفار ولم يعد إلا بعد أن ضمن أن جسد القذافي تحلل وضاع فـێ العدم.  كان بإمكانه أن يكون مع الثوار المؤمنين فـێ بنغازي أو فـێ مصراته أو فـێ الزنتان لكنه لجأ إڵـى تراثه وتمسك بالحكمة القديمة نصلى خلف عڵـى ونأكل طعام معاوية ونجلس  فوق الرابية فالصلاة خلف عڵـى أكثر بركة والطعام عند معاوية أشهى والجلوس عڵـى الرابية – بريطانيا – أسلم ثم ننتظر لنصلى خلف الغالب.


 إن الحبر الذى ينصح الناس بتجنب الفتنة هو أول من زكاها حين ألب الناس عڵـى المؤتمر ووصف الزحف عڵـى قاعته والاعتداء عڵـى أعضاءه ووضع مئتي تابوت أمام مقره وتهديد أعضاءه بالسلاح بأنه الجهاد المقدس المساهمة فيه فرض كفاية. ثم لم يشارك فيه بل أرسل شقيقه ليشارك بالنيابة عنه.


 أما التظاهرات السلمية المؤيدة لقيام الدولة المساندة – لولى الامر-  فهي  محرمة شرعا لانها تدعو إڵـى الفتنة  برغم أنه يشعل الان نارها حين يأمر باسم الدين أولياء القتلى أن يسامحوا فـێ دم أبنائهم  طالبا منهم الصفح فـێ الدم فـێ حين أنه لم يبد علامة تسامح فـێ قانون العزل  ويتناسى أن القانون يطاله كما يطال غيره لأنه كان احد أدوات النظام  يظهر فـێ محطاته ويحضر جلساته ويساهم فـێ حل مشكلاته وتلميع  الابن لتولى السلطة من بعد أبيه


أنه يسأل أهل القتيل مسامحة القاتل لان القاتل هو الطرف القوى الذى يحمل السلاح ومن أجله يكون انتقائيا فـێ استخدام آيات القران  فيتحدث عن الصفح وينسى (العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص) لماذا لم يقل( ولكم فـێ القصاص حياة يا أولى الالباب لعلكم تتقون) فربط التقوى بالقصاص.  يبدو أنه يعتقد أن هذه الآية ليست موجهة له.


وإن كان صادقا فـێ دعواه. فلماذا لم ينتقل إڵـى بنغازي لرأب الصدع ووئد الفتنة فـێ مهدها والسعي  فى الصلح بين المتحاربين. وكالعادة يتناول المشكلة وبينه وبينها ألاف الكيلومترات,


لكنه يصبح اسما عڵـى مسمى حين يقول إن الدولة فـێ مفالخالدة وأظنه بات يعلم أن حملة السلاح خسروا المعركة ولا مستقبل لهم وانسحابهم من المشهد مسالة وقت وقيام الدولة أمر محتوم  وهو لذلك حائر متردد يستغرق وقتا طويلا قبل أن يقرر فـێ أي جانب يكون وأظنه يتأسف  لأنه اختار الجانب الخاسر لذلك يخطب ود المؤتمر بالنصيحة و لذك يحاول أن يوهمنا بأننا نواجه الفتنة ويصرخ فينا دعوها فإنها منتنة  وما دامت كذلك فلماذا يدس أنفه فيها؟ لماذا لا يدعها ويتنسم عبير الجنة عبر كتب التراث الخالدة


الفتنة كلمة لها عشرات المعاني تتراوح بين الكفر والاختبار والزينة فقدت معناها فـێ اللغة المعاصرة ولا تستخدم  إلا لوصف كيد النسوان ونحن لا نواجه فتنة لكننا نواجه مسألة المصير نحن فـێ معركة تحدد لنا نتيجتها أنسير نحو المستقبل نستثمر فـێ التعليم والصحة والديمقراطية والحرية  ونقبل  الحضارة فـێ خيرها وشرها.  ام ننسحب نحو الماضى حيث ينتظرنا حبر الاحبار لينقلنا من ليل إڵـى ليل فـێ ظلمات لونها كلون الحبر بعضها فوق بعض . ولا نملك متعة الخسارة بل لا نملك  الحق فـێ الاختيار لأننا ملزمون شئنا أم أبينا أن نلحق بقطار الحضارة السريع ولن تتركنا الحضارة لو تركناها.


 وما دام التناصح طريقا يسير فـێ اتجاهين  فليسمح لنا أن نناصحه


قال عبد  ألله بن عمرو


بينما نحن  حول رسول الله إذ ذكر الفتنة فقال إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم وضيعت أماناتهم  وكانوا هكذا – وشبك بأصابعه- فقمت إليه وقلت كيف أفعل  عند ذلك قال 1- الزم بيتك، 2- املك عليك لسانك،  3- عليك بأمر خاصة نفسك، 4- ودع عنك أمر العامة رواه الحاكم  525 / 4  أبو داود 2/  438



أحكمكم… أقتلكم…. أكفركم
المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق