عبدالمالك الصفراني: صناعة الدستور عمل وطني جماعي


الدستور الناجح هو الدستور المعبر عن إرادة الشعب، والنابع من معطيات المجتمع وتطلعاته، وهذا ما تثبته الدراسات والأبحاث، والارقام في هذا السياق ليست في صالح عملية إعداد الدستور التي نحن بصددها في ليبيا، لأن معظم الدساتير التي صمدت واستمرت تم اعدادها في فترة لا تقل عن سنة، في حين أن المدة الممنوحة لعمل الهيئة التأسيسية لا تتجاوز الأربعة أشهر.



وهذا في حد ذاته يضع على عاتق الهيئة مسئوليات مضاعفة، فهي مسئولة عن إنجاز دستور عصري يؤسس لدولة ديمقراطية، ويعبر تعبيرا صادقا عن تطلعات شعب عانى عقودا من الاستبداد والحرمان، ويعاني مرحلة انتقالية كثيرة المشاكل والصراعات والانقسامات، وهي مسئولة عن ايجاد الحلول الدستورية للكثير من عوامل الضعف والعجز التي اسفرت عنها تقلبات المرحلة الانتقالية، وهي مسئولة عن انجاز كل ذلك وأكثر في فترة قصيرة، نسبة لأي عملية دستورية ناجحة في العالم، وهذا ينطبق على عمل اللجنة حتى في حالة تمديد فترة عملها لأنها محكومة بقترة الثمانية عشر شهرا المحددة لما تبقى من الفترة الانتقالية.



إن أولى مهام اللجنة أن تستفيد من أخطاء المؤتمر الوطني العام وأن تعمل على كسب ثقة المواطن ليدرك الشارع جديتها في العمل وجدارتها بالمهمة التاريخية وليقف إلى جانبها حتى تصل إلى نهاية المسار، وهناك العديد من الاجراءات والوسائل التي تحقق الثقة أهمها الشفافية التامة في عمل الهيئة.



الشفافية



الشفافية تستلزم النقل التلفزيوني لجلسات الهيئة، وينبغي التأكيد على نقل الجلسات وعدم الانصياع أمام أي أعذار وحجج كالتي ساقها المؤتمر الوطني وألغى بها النقل التلفزيوني، وأصبحت القضايا المصيرية التي تهم الرأي العام تناقش وراء أبواب مغلقة وتسرب عبر وسائل الاعلام بروايات مختلفة، كل رواية تخدم الطرف السياسي الذي يرويها.



ينبغي أن يكون النقل التلفزيوني والحضور الاعلامي لجلسات الهيئة وسيلة لإثبات جدية الهيئة ووسيلة للمواطن ليعرف ويقيم أداء من انتخبهم ليمثلوه في العملية الدستورية. وكذلك ينبغي التأكيد على أهمية التواصل المستمر مع الشارع عبر الحضور الشخصي لأعضاء الهيئة، وعبر الوسائل المتاحة من قنوات اعلامية وانترنت.



استطلاعات الرأي وسيلة مهمة أيضا سواء أجريت على نطاق ضيق في كل دائرة انتخابية أو أجريت على المستوى الوطني العام، وتحتاج الهيئة التأسيسية لإنشاء جهاز إداري وفني مصاحب للهيئة يتوفر على خبرات وقدرات تستطيع القيام بأبحاث الرأي العام بصورة موضوعية مدروسة وسريعة، لتوفر للهيئة ما تحتاجه من مؤشرات ومعطيات، ولا شك أنه يمكن الاستعانة بالخبرات الدولية في هذا الميدان بالذات.



أرقام ونتائج



وللإحاطة بظروف عمل الهيئة والواقع الذي عليها التعامل معه ينبغي أن لا نغفل الملاحظات والإحصائيات المتعلقة بانتخابات الهيئة واستقراء ما تعنيه هذه المعطيات:



- عدد المواطنين الذين تزيد اعمارهم عن 18 سنة ويحق لهم الانتخاب حوالي 3 مليون.



- عدد المسجلين في السجل الانتخابي لانتخابات الهيئة 1100000 مليون ومئة
ألف مسجل.



- عدد الذين أدلو بأصواتهم حوالي 500 ألف وهؤلاء يشكلون 16% فقط ممن يحق لهم الانتخاب.



- عدد الأصوات التي تحصل عليها أعضاء الهيئة حسب النتائج الجزئية المعلنة يوم 26 فبراير 2014 وعددهم 44 مرشحا – يبلغ 207 آلاف صوت أي نسبة 41% من عدد المقترعين، وهذا يمثل نسبة 6% من الناخبين.



- أعضاء الهيئة فازوا فقط بأصوات 6% ممن يحق لهم الانتخاب.



- وهذا يعني إضافة إلى العزوف عن التسجيل والاقتراع، ومقاطعة مكوني الأمازيغ والتبو، أن أصوات حوالي نصف المقترعين لم تمثل في الهيئة التأسيسية لأنها ذهبت لمرشحين آخرين، وهذا بسبب نظام التصويت الذي اتبع وهو نظام الفائز الأول.



- وهذا يضع على أعضاء الهيئة التأسيسية عبئا اضافيا هو العمل على تمثيل جميع فئات المجتمع، من هذه الفئات من لم يصوت أساسا لكن من حقه أن يصدر الدستور معبرا عن تطلعاته وضامنا لحقوقه، ومنهم من صوت لمرشحين آخرين لم يفوزوا ومن حقه أن يكون لصوته صدى في العملية الدستورية.



- والمعادلة تقول أنك لكي تنجح في الانتخابات عليك أن تنال أصوات مؤيديك لكن لكي تنجح في أداء مسئوليتك عليك أن تنال رضا معارضيك.



- أساس العملية الدستورية الناجحة يقوم على المشاركة الموسعة عبر الحوار المجتمعي وتواصل الهيئة مع المواطنين بأسلوب منظم ومكثف.



- أهمية الحوار المجتمعي تتضاعف في ظل ظروف انتخابات الهيئة التأسيسية التي

شهدت اقبالا شعبيا ضعيفا، ونظرا لحالة الانسداد السياسي والتجاذبات الحزبية والجهوية والاضطرابات الأمنية، وهذا يزيد من جسامة المسئولية على الهيئة لتنجح في جعل المسار الدستوري مسار توافق ومشاركة وطنية.



- كما يجب أن تتجنب الهيئة مخاطر تسييس عملها ووقوعها في مأزق الاستقطاب السياسي والحزبي.



صوت المرأة وصوت الاعلام



- أكبر عدد من الأصوات ناله مرشح واحد في مدينة طرابلس بدوائرها كان للسيدة زينب الزائدى الاعلامية بإحدى القنوات وقد فازت بعدد 18900 صوتاً.



- وأكبر عدد من الاصوات في بنغازي كان من نصيب السيدة ابتسام بحيح وهو 21426 صوتاً.



- وفي جميع دوائر الجنوب تفوقت السيدة رانيا عبدالسلام الصيد بعدد 3516 صوتاً.



وهذا يعني أن للمرشحة للمرأة تفوق عددي ملحوظ وقوة في الصوت الانتخابي في انحاء مختلفة من البلاد، إذاً ضعف نسبة تمثيل المرأة في الهيئة لا يعني ضعف صوت المرأة في الانتخابات وفي المجتمع عموما.



- وهناك ملاحظة مهمة يبدو أنها مرت مرور الكرام تتعلق بأحد المرشحين بدائرة طرابلس وهو الاعلامي سامي الشريف، فقد تحصل على 5000 صوت (خمسة آلاف صوت) رغم أنه سحب ترشحه وأعلن عن ذلك في برنامجه الاذاعي الذي يحظى بمتابعة جيدة ورغم أنه أوقف حملته الدعائية ولم ينشر صورا أو ملصقات.



وهذا يعني أن اختيار الناخبين للأسماء البارزة اعلاميا مازال سمة بارزة في الانتخابات رغم الحديث المستمر عن ما سُمي بغلطة انتخابات المؤتمر وعن درس تعلمناه من تلك الانتخابات. لا أقول أن من الخطأ انتخاب الأسماء البارزة لكن أقول الظواهر المعتادة والمتوقعة في الانتخابات تبقى وتستمر على الأقل لفترة زمنية منظورة، وأقول أن مخرجات انتخابات الهيئة لا تختلف عن مخرجات انتخابات المؤتمر الوطني، وليس في ذلك ما يعيب العملية الديمقراطية، فالاختيار يعتمد على المتوفر من بدائل.



عبدالمالك الصفراني 



 



عبدالمالك الصفراني: صناعة الدستور عمل وطني جماعي
المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق