سالم الكبتي: عن طياح السعد..!!


(هذه المقاله كتبت عام 1975…. ومنعت من النشر)



(1)




عندنا…. يولد المرء منذ البدايه مطاردا… ويعيش لحظات اْيامه مطاردا… وينتقل اڵـى رحمته تعالى فـێ شبابه اْو شيخوخته… عڵـى حد سواء… مطاردا مثل اْى شىْ مقرف. اعنى… ببساطة اكثر من غيرها يطارده منذ يوم ميلاده الاغر سوء الطالع… شيئ يقال له فـێ القاموس العامى عادة (طياح السعد). هنا… عندنا حين يفتح المرء عينيه وتفاجئه الشمس مثل عطسه… حين يتثاءب تطارده جدته المهيبه بحكاياتها الطويله عن الغلال والعفاريت المتربصه اْبدا كالموت فـێ المجارى… والحنش المرابط فـێ شقوق الجدار… تطعمه باْشعارها الفخمه عن المهدى المنتظر… تحدثه دون اْن يتورم لسانها عن اخبار الزمياطى… وزنجية حوش الباشا المشنوقه فـێ اْعالى القمر لاْنها مسحت مؤخرة طفلها ذات يوم بكسرة خبز… تقول له الكثير من الخوارق… واذا ماتطرق الشك اليه فـێ كل هذا… دعت عليه باطياح السعد. ثم…




(2)




ثم ينفلت كالشرر اڵـى الشارع… يتلقى اْولى ابجديات الثقافه… يطارد سواه من خلق الله بكلماته الطيبه… يصطاد بحجر مقلاعه مصابيح الطريق ورؤوس الماره… يكتب حصيلته الثمينه من اْسرار البلاغه بالفحم عڵـى الجدران… وكلما فعل شيئا من ذلك… كلما اْبلى بلاء حسنا… مسكوا شوشة شعر راْسه فـێ البيت مثل ربطة فجل… وقالوا له بالحرف الواحد (طاح سعدك). ومن جديد يطارده النحس… الطالع… وبالفعل سعده يطيح…




(3)




يطيح سعده عدة مرات تبعا لهذا الامر غير السار… يكتشف بطريق الصدفه اْن طالعه دائما سىْ للغايه… ويلاحظ ذلك الانطباع المذهل مقترنا عڵـى نحو عجيب باْيام دراسته. فـێ عمله. عبر علاقته مع الغير… فـێ علاقاته الغراميه مع بنت الجيران… فـێ كل شىْ يفعله ويقدم عليه… ويعلم علم اليقين ان هذا الدعاء الخالد وغيره من الادعيه… لم يقل جزافا… واْنه ليس قفزة فـێ الهواء. واْنما هو نبوءة حقيقيه لها ماوراءها وتؤدى غرضها المطلوب… وتظل تطلع لسانها باتصال… تحييه فـێ كل مكان يرتاده… تقول له بخفوت (خير يارى)…. عندئذ… يبقى الرى يمضى…




(4)




يمضى بلا توقف… يعيش اْياما مرهقه… ينزح عرقا… يبحث عن خلاص عبر جميع الدروب من فخاخ تلك النبوءه المقدسه التى تشبه نبؤات سحرة مدغشقر… تطارده الكلمات والعبارات الناريه… تلعلع فـێ اْذنيه… (طاح سعدك… اذهب شيرتك… نعنك ماتصد ولاترد). تقابله فـێ وجهه دائما… لاتفارقه… تمشى معه فـێ برود وصفاقه… تغمزه بعينها . ولايدرى ماذا يفعل… فاذا…




(5)




فاذا ماعجز مثلا عن حفظ رسالة القاضى الفاضل عن ظهر قلب… اْو تصغير كلمة (نميمه)… يطيح سعده مباشرة. اذا مااْخطاْ فـێ تقدير طول شوارب المنفلوطى الوسيم الطلعه… يطيح سعده . اذا لم يعرف من فتح عكا… يطيح سعده . اذا لم يفهم اشكال الطباق والجناس وتلكاْ فـێ اعراب البيت القائل: (فداويته حتى ارفاْن نفاره……… فعدنا كاْن لم يكن بيننا صرم)… اْحس بطريقة ما اْن سيبويه قد طيح سعده من ظلمات قبره البعيد جدا. اذا لم يتسوق شيئا جيدا لاْهله… طاح سعده. اذا لم يوفق فـێ اختيار (بنت الحلال)التى تملاْ عين اْمه لاعينه هو بالطبع… يطيح سعده…. وهكذا عڵـى نحو دائم يطيح سعده فـێ جميع النواحى. وهكذا تمشى…




(6)




هكذا تمشى قافلته دون اْن تبلغ الواحه… يعيش لحظاته السعيده بالمطارده بالكلمات… من كل نوع. تطارده بالذات تلك الادعيه حيثما حل… واْينما رحل… ويتمتع مبسوطا بشميم عرار نجد.



علاوة عڵـى ذلك فانه لاياْتلى فـێ عين الوقت من مطاردة الاخرين من الناس… يقع فريسة لتلك المفردات والكلمات… ويدعو عليهم بسهولة ويسر… وليس هناك احد احسن من احد. الكل فـێ هذا سواء كاْسنان المشط…واذ يسقط قلبه من اْول نظره اْمام بنت الجيران يشرع فـێ مطاردتها مثل كلب الراعى… يتبعها حتى يتمزق حذاؤه مليون مره فـێ الحى… فـێ المدرسه… فـێ السوق… فـێ دكان الجزار… فـێ محطة الحافلات… فـێ القرطاسيه المجاوره… فيما يشعر بالحسد تجاه حقيبتها المسنده بثبات اڵـى صدرها ويرسم السهام فـێ كل بقعه عڵـى حين تطارده هى بدورها بما تيسر من الدعاء… تزيد قليلا فـێ بلاغتها… تهتف (عطك حبه… ياصايع وطيح والله سعدك)… ويطارد اخوها اخته التى تعطيه بدورها دروسا عديدة من من بلاغتها… ويزعل وقتذاك ويدعو عليه بطياح السعد لاْنه عاكس اخته.



ان الحب هنا يصير كما شريط من اشرطة الرعب ويضحى طعمه مرا… فهو اذا لم يكن هكذا… بالمطارده واللهاث بكل الوسائل فاْنه ليس حبا بالضروره… ولايجدى تماما.ومن لم يمت عندنا بالحب مات بالمطارده. ويستمر…




(7)




يستمر المرء فـێ المطارده… يداوم ساعاته بواسطتها . حياته كلها من اْولها اڵـى اْخرها يعيشها كذلك… يطارد غيره ويطاردونه. تلاحقه الكلمات واللعنات ويلاحقونه. يتبعهم بنظراته المليئه بالشكوك… ويتبعونه ايضا. ويطيح بذلك سعد الجميع ويحمد القوم السرى… وتسير…




(8)




وتسير القوافل عطشى دون ان تبلغ الواحه… وفيما تظل دائما اطول الرحلات هى اڵـى الداخل… اڵـى اعماق الانسان… نبقى نحن نطارد بعضنا فـێ الظلام دون ان نتطلع مرة واحده اڵـى الشمس… ناْكل انفسنا… لانحلم بغد اخر… يتبعنا سوء الطالع ونقطع الرحله بطياح السعد… هذا حسن. اه يازمان القحط !!



سالم الكبتي



26 ابريل 1975



 



سالم الكبتي: عن طياح السعد..!!
المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق