د. فاطمة الحمروش: الطريق نحو ديمقراطية قوية وثابتة


دراسة في كتاب "من الدكتاتورية إڵـى الديمقراطية" لِ جين شارب




سبق لي أن نشرت هذا المقال في موقع ليبيا [libya] المستقبل باسم "الليبية"، بتاريخ 11/09/2010 تحت عنوان "النضال السلمي- الطريق نحو ديمقراطية ثابتة وقوية"… أعيد نشره هنا مع حذف المقدمة عڵـى أمل أن يطلع عليه أكبر عدد للإستفادة من تجارب الدول اڵـتي سبقتنا في هذا التحول…. والله الموفق



د. فاطمة الحمروش



إن الطبيعة تفرض مبدأ الحرية، ومن يخالف هذا المبدأ

يخالف المنطق والعقل، ولذلك فإن مقاومة الشعوب

للإضطهاد أمر بديهي وواجب، وليس شعب ليبيا

باستثناء عن هذه القاعدة.



إلى إخوتي وأخواتي، أبناء وبنات شعبنا المناضل الطيب، أوجه هذه الكلمات، وأرجو من الله أن يوفقنا جميعا في مساعينا نحو الأفضل، وأن يدلنا إڵـى ما فيه الخير لنا ولأهلنا… علينا إذن أن نحدد أهدافنا ومسارنا، وأن نحافظ عليه ولا نحيد عنه، علينا أن لا نسمح بتشتيت أفكارنا وجهدنا، كما علينا أيضا أن لا تقتصر جهودنا وأهدافنا عڵـى القضاء عڵـى الوضع الراهن فقط، بل يجب أن نؤمِن أن من ضمن الأهداف الواضحة أمامنا العمل عڵـى أن يحل محل نظام القذافي نظام ديمقراطي ثابت وواضح وغير قابل للسقوط، تحدد آلياته ومساره قوانين منظمة وثوابت يتفق عليها الشعب بأكمله ويحترمها وتكفل له حريته وسلامته وتحدد له حقوقه وواجباته، ولا يعلو عليها أحد.



من الناحية النظرية قد يبدو الوصول إڵـى هذا الهدف صعب المنال، ولكننا إذا نظرنا إڵـى أسباب بقاء الأنظمة المرفوضة لوجدناها نابعة من الشعوب المحكومة نفسها وليس من الأنظمة المفروضة عليها، إذ أن جميعها، دكتاتورية كانت أم ديمقراطية، تتغذى عڵـى المواقف اڵـتي تتخذها الشعوب اڵـتي تحكمها تجاهها وعلى تفاعلاتها معها ومع سياساتها، وعليه فإن ما يأتي من هذه الشعوب من تعاملات مع الأنظمة اڵـتي تحكمها هو ما يقرر بقائها أو زوالها. ولهذا، فعندما يشتعل فتيل المقاومة ضد أي نظام قمعي، وتعلن الشعوب العصيان العام تجاهه، فتعبر عن رفضها للإستمرار في مساندته، يجد النظام الدكتاتوري أن الشعب الذي كان يحكمه لم يعد يطيعه وبالتالي فإنه عمليا لم يعد لديه شعب يحكمه، فلا يملك هذا النظام حينها أي خيار سوى الإذعان، وتنهار مؤسساته من تلقاء نفسها ويضطر للإنصياع لرغبة الشعوب، فإما أن يتبدّل أو أن يرحل، وكلتا الحالتين تعنيان نهاية ذلك الحكم. بالطبع فإن هذا التعبير يعد تبسيطا شديدا للأوضاع، ويبدو كالحلم الساذج صعب المنال، ولكنه في الحقيقة عڵـى أرض الواقع يظل هو المحصلة النهائية مع إختلاف الطرق اڵـتي تؤدي إليه، وليس بالمستحيل بأي شكل من الأشكال رغم ما يبدو عليه النظام المستبد من قوة.



علينا جميعا إذن أن نضع نصب أعيننا حقيقة وأن لا نجعلها تغيب عنا وهي: متى استطاع أي شعب النجاح في نضاله للقضاء عڵـى حكم دكتاتوري، فإن أسوأ وضع يمكنه أن يجد نفسه فيه هو أن يكتشف أنه قد مكَّن نظاما دكتاتوريا جديدا من الوصول إڵـى الحكم، وأنه إستبدل المِثل بالمِثل ليجد نفسه قد آزر وساند طاغية جديد ليحل محل سابقه. ولذا فإن التخطيط والعمل عڵـى الإطاحة بنظام القذافي يجب أن يتلازم مع الحيلولة دون أن يقوم مقامه نظاما دكتاتوريا جديدا، وهو ما ينقلني إڵـى الهدف من هذا المقال اليومِ وما دفعني إڵـى كتابته:



إنه كتاب قرأته ووجدته من أجمل الكتب اڵـتي إطّلعت عليها، وأتمنى أن يقرأه أكبر عدد ممكن من أبناء شعبنا الطيب المسالم، إنه كتاب للأستاذ جين شارب، من جامعة هافارد، بعنوان "من الدكتاتورية إڵـى الديمقراطية" ، ولقد صدر هذا الكتاب باللغة الإنجليزية عام 2002 ثم تمت ترجمته إڵـى اللغة العربية عام 2009…. هذا الكتاب نتاج لبحوث ودراسات قام بها الكاتب دامت لمدة 30 عاما، عن الدكتاتوريات في العالم، واستخلص من هذه الدراسات بعض الإرشادات اڵـتي قام بكتابتها باختصار سهل وخالِ من التعبيرات المعقدة، بغرض أن يصل إڵـى أكبر عدد من القراء عڵـى أمل أن يساعد الشعوب المضطهدة عڵـى التفكير والتخطيط لإنتاج حركات تحرر قوية وناجحة.




مختصر الكتاب



وسائل مقاومة الحكم الدكتاتوري:



1- التحدي السياسي، أو النضال السلمي:



لقد قام الباحث في دراسته بتسليط الضوء عڵـى أسباب قيام الدكتاتوريات وأسباب بقائها وكذلك أسباب سقوطها في النهاية، وحدد أيضا الصفات العامة المشتركة بين الدكتاتوريات جميعا والصفات العامة المشتركة بين الشعوب اڵـتي عانت من وطأتها والتي قاومتها، كما أوضح نقاط القوة ونقاط الضعف لدي الأنظمة الدكتاتورية ولدى المعارضة وكيفية التعرف عليها، وكيفية إستخدامها لمصلحة الشعوب المناضلة، وعدَّد الكاتب أيضا الوسائل اڵـتي إستخدمتها هذه الشعوب في مسيرة نضالها، الناجحة منها والفاشلة، كما أوضح أسباب النجاح والفشل في كل منها، ليصل في النهاية إڵـى سرد أفضل الطرق وأكثرها نجاحا وأقلها خسائرا في الأرواح لمقاومة الدكتاتوريات والقضاء عليها. ولقد لخَّص الباحث ذلك في حقائق مبسطة وفي غاية السهولة سواء في الفهم أو التطبيق، لما أسماه ب"التحدي السياسي"، كوصف للمقاومة السلمية للعنف الدكتاتوري، بشكل يضمن النجاح المؤكد متى إلتزمت المعارضة به.



لقد شدَّني هذا العرض المبسط الذي إنتهجه الباحث للكتاب إڵـى أن إنتهيت من قراءته، وزاد من قناعتي بأن ما قد نراه مستحيلا أمام هذه القوة والإمكانيات الهائلة اڵـتي يمتلكها نظام القذافي، هو في الحقيقة ليس بالمستحيل، بل أنه ممكن وسهل وقابل للتطبيق بوسائل متاحة للجميع وبوفرة وبسهولة* يمكن تصورها متى تقبّل الفرد منا فكرة إنتهاج وممارسة مقاومة اللاعنف، والتي حتما، كما أشار الباحث، أدت إڵـى إنهيار أعتى الدكتاتوريات وأشدها عسفا، وما حالنا نحن في ليبيا [libya] بمختلف عما تم وصفه هنا. إن هذا الخطاب موجه إڵـى جميع الشعوب اڵـتي ترزح تحت الأنظمة الدكتاتورية والتي منها الشعب الليبي، أدعو الله أن يوفقنا جميعا إڵـى ما فيه صلاحنا وصلاح الوطن.



سأضع هنا نبذة مختصرة للكتاب، وأنصح الجميع بأن لا يكتفوا بهذه النبدة، بل أن يطلعوا عڵـى الكتاب بكامله وهو ليس بالطويل، كما أنصح بدراسته بعناية، إذ أن به الكثير مما يمكننا الإستفادة منه، فهو خلاصة نضال شعوب كثيرة قبلنا، وقد وُفِّق الكاتب حقا في تجميعها في صفحات قليلة سهلة القراءة في وقت لا يتجاوز الخمس ساعات. لقد وضع الكاتب من ضمن مقدمة الكتاب ملاحظة جديرة بالذكر هنا، وأرى أنه بالفعل لم يبالغ في ذكرها:




"يركز هذا العمل عڵـى المشكلة العامة وهي كيفية القضاء عڵـى النظام الدكتاتوري ومنع قيام نظام دكتاتوري جديد، حيث جاء هذا التركيز من منطلق الضرورة ومن منطلق الخيار المتعمد. لا أملك الكفاءة عڵـى إصدار تحليل مفصل أو عمل وصفة لبلد معين، ولكنني آمل أن يعود هذا التحليل العام بالفائدة عڵـى الشعوب اڵـتي تواجه حقائق الحكم الدكتاتوري، وهي لسوء الحظ كثيرة. عڵـى هذه الشعوب أن تختبر مدى صلاحية تطابق هذا التحليل والتوصيات الرئيسية اڵـتي يطرحها عڵـى أوضاعهم وعلى نضالهم من أجل التحرر".




لدى قراءتي للكتاب لم أملك إلا أن أرى الحالة الليبية تطل عليّ من خلال الأسطر، وهذا ما دفعني إڵـى نقلها إڵـى من يشاء الإطلاع عليها، وربما تطبيق بعض مما جاء فيها من توصيات، لعلها تعيننا في الخلاص من هذا الحكم الجائر الذي طال مداه.

بعد المقدمة قام الكاتب بالتطرق إڵـى نبذة تاريخية مختصرة عن بعض الكتابات السابقة عن الأنظمة الدكتاتورية وطبيعتها وتاريخها، ووضع أمثلة لذلك الحكم النازي وحكم ستالين، بالإضافة إڵـى كتابات أرسطو. كما تطرق إڵـى حقيقة أن الأنظمة الدكتاتورية تفرض نفسها باسم التحرر من الإضطهاد والإستغلال ولكنها لا تخلّف وراءها إلا الموت والدمار، وهو الواقع الذي نحياه في ليبيا [libya] منذ أربعة عقود.



أشار الكاتب إڵـى أن التاريخ قد أظهر أن "إنهيار العديد من الأنظمة الدكتاتورية عند مواجهتها لتحدي الشعوب المنتظم قد أثبت عدم قدرتها عڵـى تحدي الشعوب السياسي والإقتصادي والإجتماعي المشترك بالرغم من أنه كان يُنظر إليها عڵـى أنها أنظمة متوطدة ومنيعة"، وضرب أمثلة للشعوب اڵـتي أسقطت الأنظمة الدكتاتورية بواسطة النضال اللاعنفي في"أستونيا ولاتفيا ولتوانيا وبولندا وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا وسلوفينيا ومدغشقر ومالي وبوليفيا والفلبين " بينما كانت الأمثلة اڵـتي ضربها للشعوب اڵـتي إستخدمت "النضال اللاعنفي" في ترسيخ التوجُّه نحو الديمقراطية في "نيبال وزامبيا وكوريا الجنوبية وتشيلي والأرجنتين وهاييتي والبرازيل وأوروغواي وملاوي وتايلاندا وبلغاريا والمجر وزائير ونيجيريا وأجزاء مختلفة من الإتحاد السوفياتي".



تجدر الملاحظة هنا أننا لا نتحدث عن ماضٍ بعيد، بل عن أحداث عاشتها الشعوب المعاصرة بين الفترة 1980 و 1991 ، أي في نفس الفترة اڵـتي إزداد فيها إضطهاد شعب ليبيا [libya] عڵـى يد الحكم الدكتاتوري القائم إڵـى يومنا هذا.

ركّز الباحث عڵـى حقيقة أن "الشعوب اڵـتي تعيش تحت القمع غالبا ما يكون الخنوع إڵـى رموز السلطة فيها والحكام دون مساءلة قد غُرِس في الذهن، وتكون مؤسسات المجتمع فيها بما فيها الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والدينية قد أضعفت عمدا أو حُوِّلت إڵـى مؤسسات تابعة أو قد أسبتدلت بمؤسسات صارمة تُستخدم من قبل الدولة للسيطرة عڵـى المجتمع، ويكون المواطنون قد شُتِّتوا لدرجة أنهم أصبحوا كتلة من الأفراد المعزولين الذين لا يستطيعون العمل معا لنيل الحرية أو نيل ثقة بعضهم البعض أو حتى المبادرة بأي شئ".
.. "تكون النتيجة أن يصبح المواطنون ضعفاء وتنقصهم الثقة بالنفس وغير قادرين عڵـى المقاومة، غالبا ما يخافون الحديث عن مدى كرههم للنظام الدكتاتوري وحلمهم بالحرية حتى مع عائلاتهم وأصدقائهم، حتى أن الرعب يدب في قلوبهم إذا فكروا جديا بالمقاومة، وفي النهاية نجدهم يعانون دون سبب ويواجهون مستقبلا بدون أمل".



ألا يرى معي القارئ أن الباحث قد أبدع في وصف ما يدور في ذهن غالبية أبناء شعبنا المناضل؟



قبل أن يسترسل الكاتب في وصفه لوسائل النضال السلمي أعرج عڵـى طرق أخرى قد يرى فيها البعض وسائلا للمقاومة ولكنه أوضح عيوب كل منها، مما يجعل خيار التحدي السياسي هو الأفضل والأكثر قبولا والأقل خسارة، ليرجع بعد سرده المقتضب حول الوسائل الأخرى، إڵـى إرشادات عڵـى شكل نقط لكيفية التغلب عڵـى الأنظمة الدكتاتورية بالتحدي السياسي بعيدا عن أساليب العنف.



2- العنف كوسيلة لانتزاع الحرية:



تطرق الكاتب إڵـى موضوع إنتزاع الحرية من الحاكم المستبد عن طريق العنف، وأشار إڵـى أن الأنظمة الدكتاتورية تتجاهل المحددات القانونية والدستورية والأحكام القضائية والرأي العام، مما يرسّخ فكرة العنف لدى المعارضة كحل وحيد للمقاومة، وأشار الباحث في هذا المضمار إڵـى حقيقة أن ثمن هذا الحل باهض في الأرواح والمعاناة بالإضافة إڵـى أنها نادرا ما تؤدي إڵـى الحصول عڵـى الحرية لأن الأنظمة القمعية تواجه الثورات العنيفة بممارسات وحشية "تقتل ما تبقى من أمل لدى الناس"**. أشار الباحث إڵـى حقيقة أن "اللجوء إڵـى أساليب العنف في النضال إنما يعني إستخدام أسلوب يتميز الطغاة بالتفوق فيه" ولا تستطيع الحركات الديمقراطية مهما كانت شجاعة أفرادها أن تكون مماثلة في العنف لرد الطغاة عليهم.



3- الإنقلابات كوسيلة لانتزاع الحرية:



أوضح الباحث هنا أن الإنقلاب قد يبدو للبعض أنه "الخيار الأسهل والأسرع في التخلص من النظام الحاكم البغيض"، ولكنه أوضح أيضا أن هذا الخيار يحمل مجازفة كبيرة بأن يستبدل الحكم الدكتاتوري القائم بآخر مماثل باستبدال الزمرة الحاكمة بأخرى لتحل محلها "تستطيع أن تفعل ما تريد دون مراعاة للديمقراطية أو حقوق الإنسان".



4- الإنتخابات تحت ظل الأنظمة الدكتاتورية:



قد تلجأ بعض الأنظمة الدكتاتورية إڵـى حيلة الإنتخابات لامتصاص غضب الشعوب ولتظهر بمظهر الديمقراطية، ولكن لا يخفى عڵـى أحد أنها "مجرد إجراءات شكلية للحصول عڵـى موافقة الناس عڵـى مرشحين اختارتهم تلك الأنظمة بدقة وعناية بالغة"، بالإضافة إڵـى الإجرءات التعسفية اڵـتي قد يتعرض لها غير المرغوب بهم (لدى الفئة الحاكمة) من المتقدمين للترشيح... خلاصة القول: "الحكام الدكتاتوريون لا يسمحون بإجراء إنتخابات تؤدي إڵـى عزلهم عن عروشهم".



5- منقذين أجانب، أي التدخل الأجنبي:



تطرق الباحث هنا إڵـى نقطة مهمة جدا وهي تتمثل في إعتقاد نراه اليوم سائد لدى البعض، حيث أن هؤلاء سواء من الداخل أو ممن إختاروا المنفى لينجو من قبضة الأنظمة الدكتاتورية، لا يؤمنون بمقدرة الشعوب المضطهدة عڵـى تحرير نفسها، ويأملون النجاة لشعوبهم فقط إذا تدخلت قوى خارجية معينة، فيضعون فيها ثقتهم، ويؤمنون بأن المساعدة الدولية فقط هي اڵـتي تمتلك القوة الكافية لإسقاط النظام الدكتاتوري وخلاص شعبهم... بيّن الباحث أن عجز الشعوب المضطهدة ليس مبنيا عڵـى الحقيقة، حيث أنه نابع فقط من عدم ثقتها في مقدرتها عڵـى مواجهة همجية الأنظمة الدكتاتورية وعدم معرفتها بطريق خلاصها. كما أوضح الإنعكاسات الخطرة اڵـتي تتعلق بالإعتماد عڵـى قوة خارجية منقذة، وقام بعرض مبسط لبعض الحقائق اڵـتي تتعلق بالإعتماد عڵـى التدخل الأجنبي، لخصها في النقاط التالية:



الدول الأجنبية تتحمل وتساعد الأنظمة الدكتاتورية من أجل الحفاظ عڵـى مصالحها الإقتصادية والسياسية الخاصة بها.



♦ الدول الأجنبية مستعدة لبيع الشعوب المضطهدة بدلا من الحفاظ عڵـى وعودها لها بالمساندة والتحرر مقابل هدف آخر يخدم مصالحها الخاصة.



♦ الدول الأجنبية تتخذ خطوات ضد الأنظمة الدكتاتورية فقط من أجل الحصول عڵـى مكاسب إقتصادية وسياسية، وسيطرة عسكرية عڵـى البلاد.



♦ قد تتحرك الدول الأجنبية لمساندة المقاومة الداخلية عندما تكون الأخيرة قد بدأت بهزّ النظام الدكتاتوري وحوّلت تركيز العالم إڵـى طبيعته الهمجية.



ومن هنا نرى بوضوح أنه، باستثناء النقطة الأخيرة والتي تضع زمام الأمور بيد الشعب، أن الإعتماد عڵـى الأجنبي لنيل الحرية يحمل مخاطرا جمّة لا يمكن التكهن بها أو تصورها إلا حين حدوثها، وفي هذا مجازفة كبيرة بسيادة الشعب والدولة بأكملها لا يجب الإستهانة بحجمها، وفي وجود معطيات أخرى واضحة وممكنة يصبح هذا الخيارغير مقبول.



أخيرا أوصى الباحث ببضع مهام يمكن للشعوب الإلتزام بها لأجل الإطاحة بالحكم الدكتاتوري بفعالية وبأقل تكاليف، قام بسردها في النقاط التالية:



♦ تعزيز الشعوب المضطهدة في تصميمها وعزيمتها وثقتها بنفسها ومهارات المقاومة.
♦ تعزيز جماعات ومؤسسات الشعوب المضطهدة الإجتماعية المستقلة.
♦ خلق قوة مقاومة داخلية قوية.
♦ وضع خطة تحرر إستراتيجية حكيمة وتنفيذها بمهارة.



وأشار الباحث هنا إڵـى أهمية الإتحاد والإعتماد عڵـى النفس ومساندة أفراد الشعب بعضهم لبعض وتوحيد الصفوف لكي ينتصروا، وختم هذا بأن "التحرر من الأنظمة الدكتاتورية يعتمد أساسا عڵـى قدرة الشعوب عڵـى تحرير أنفسها بأيديها".



مخاطر المفاوضات:



أشار الباحث إڵـى نقطة أرى أنه من صميم نضالنا في ليبيا [libya] ضد حكم القذافي، وبيّن أن خيار المفاوضات قد يبدو مقنعا خاصة في غياب الخيارات الواقعية، حيث أن البعض قد يأمل من خلال الصلح والتنازل والمفاوضات مع الحاكم الدكتاتوري أن ينقذوا عناصر إيجابية وينهوا الممارسات الوحشية، وخصوصا بعد تجارب سابقة أثبتت لهم عدم جدوى النضال المسلح. ونجد مثال المفاوضات اڵـتي يرعاها سيف الإسلام القذافي مطابقا لما أشار إليه الباحث هنا. أشار الباحث إڵـى أن المفاوضات قد تكون أداة هامة في حل بعض أنواع القضايا غير الجوهرية، ولكنها تكون غير مقبولة حينما تكون حول قضية إستمرارية بقاء حكم دكتاتوري غاشم أو حول قضية إنشاء حرية سياسية عڵـى المحك. حيث أن المفاوضات في هذه الحالات لا توفر وسيلة للوصول إڵـى حل يرضي جميع الأطراف لعدم إمكانية تقديم تنازلات عن بعض القضايا. وفي هذه الحالات لا يمكن تحقيق هذه الأهداف إلا في ظل حركة ديمقراطية، وبالتالي فإن الوصول إڵـى هذه الغايات لا يتأتى إلا من خلال النضال وليس من خلال المفاوضات، حيث أن المفاوضات ليست أسلوبا واقعيا للإطاحة بنظام دكتاتوري قوي بغياب معارضة ديمقراطية قوية. أضاف الباحث أن عرض السلام من خلال التفاوض مع الحركات الديمقراطية هو عرض خداع، حيث أن غرض الحاكم الدكتاتوري من المفاوضات هو أن تتوقف المعارضة عن المقاومة مقابل أن يتوقف النظام عن شن حرب عڵـى الشعب! فيعرض النظام بالمقابل تحرير المعتقلين السياسيين، ووقف التعذيب… وكما أشار الباحث، فإن "التفاوض هو الوسيلة اڵـتي يلجأ إليها الحكم الدكتاتوري القوي حين يواجه معارضة تقض مضجعه لكي يجرها نحو الإستسلام تحت شعار صنع السلام".… يرغب الحكام الدكتاتوريون البقاء في الحكم إڵـى الأبد، وعلى دعاة السلام أن لا يمنحوا الأنظمة الدكتاتورية هذه الشرعية. وسواء كانت المعارضة قوية أو ضعيفة، فإن اللجوء إڵـى التفاوض في الأمور المصيرية مع الأنظمة الدكتاتورية يعينها عڵـى تثبيت حكمها وتمديده، فهي لا تلجأ إڵـى التفاوض إلا حين تشعر بأنها مهددة، وتظل النتيجة دائما في صالحها، حيث أن العنف يستمر لدى النظام الحاكم بالإضافة إڵـى مقدرته عڵـى نقض جميع العهود متى شاء وكيفما شاء، كذلك فإن الخنوع للقمع والإنصياع السلبي للحكام الدكتاتوريين عديمي الرحمة الذين إرتكبوا جرائم بحق مئات الآلاف من الناس لا يعتبر سلاما، وضرب هنا الباحث مثلا مطلب هتلر المتكرر للسلام والذي ما كان يعني سوى الخنوع لإرادته، مضيفا تعبيرا بليغا: "السلام الذي يطرحه الدكتاتوريون لا يعني أكثر من سلام السجون والقبور".



مراكز القوة الدكتاتورية:



أوضح الباحث مصادر القوة للأنظمة القعمية، وأوجزها في نقاط واضحة بالتالي:



♦ إيمان الناس بشرعية النظام وأن طاعته واجب أخلاقي مما يعطي السلطة للنظام الحاكم.



♦ عدد وأهمية الأشخاص والجماعات اڵـتي تطيع النظام وتتعاون معه.



♦ المهارات والمعرفة اڵـتي يوفرها الأشخاص المتعاونون للنظام.



♦ العوامل النفسية والفكرية اڵـتي تحث الناس عڵـى طاعة ومساعدة الحكام، ومن أفضل الأمثلة هنا في حالتنا الليبية مبدأ طاعة ولي الأمر.



♦ درجة وسيطرة النظام الحاكم عڵـى الممتلكات والمصادر الطبيعية والمالية والنظام الإقتصادي ووسائل الإتصال والمواصلات، ويتمثل هذا في سيطرة القذافي وأبناؤه عڵـى جميع هذه القطاعات المذكورة أعلاه.



♦ العقوبات المنصوصة في حالات العصيان لضمان الخضوع والتعاون اللازمين لبقاء النظام وقدرته عڵـى تنفيذ سياساته، ولا يخفى عڵـى أحد قانوني تجريم الحزبية وعقوبة الإعتصام في ليبيا، وأثرهما في ضمان السيطرة عڵـى الشعب وإخضاعه.



كما بيَّن الباحث، فإن الجانب السلبي بالنسبة للنظام فيما يخص مصادر قوته هذه، هو أنها جميعا تضل مصادرا غير مضمونة، ومتى تمكن الشعب من قلب موازينها فإن النظام يضعف وينهار من تلقاء نفسه، وذلك لانهيار الدعائم اڵـتي يقوم عليها… أشار الباحث إڵـى أنه "عندما يتم التشديد عڵـى مصادر القوة أو قطعها لفترة كافية رغم القمع، فإن الإنعكاسات الأولية عڵـى الأنظمة الدكتاتورية تكون متمثلة في عدم الأستقرار والإرباك، يتبع ذلك ضعفها، ثم مع مرور الوقت شللها وعجزها الكامل مما يؤدي إڵـى تفكيكها وموت قوة الحكام الدكتاتوريين من الجوع السياسي".



مراكزالقوة الديمقراطية:



العائلات.… المنظمات الدينية والمؤسسات الثقافية والأندية الرياضية والمؤسسات الإقتصادية والنقابات وإتحادات الطلبة ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمعات الأدبية، إلخ…



وكما نرى من سلوك نظام القذافي القمعي، فإنه قد حارب جميع مراكز القوة هذه والتي تمثل أساس المجتمع المدني، لكي يسلب المواطنين حريتهم واستقلاليتهم وإضعافهم، وهذا ما يفسّر عدائه الحاد لقيام مبادرات لإقامة الجمعيات والنقابات الأهلية***، هذا بالإضافة إڵـى إستخدامه لبعضها لكي يفرض سيطرته الدكتاتورية. ولم يفت الباحث الإشارة إڵـى هذا عڵـى وجه العموم كأسلوب تنتهجه الأنظمة الدكتاتورية لكي تستمر سيطرتها عڵـى الشعوب اڵـتي تحكمها... نصح الباحث المقاومة بأن تخلق جماعات ومؤسسات إجتماعية مستقلة جديدة وحث عڵـى أن تتلاحم وتتوحد لخدمة هدفها الموحد وهو القضاء عڵـى النظام القمعي وإنشاء نظام ديمقراطي دائم ومستمر بعد إنهيار النظام الدكتاتوري، حيث أنها من أهم العناصر لضمان دوام إستمرارية الديمقراطية ومنع نشأة حكم الفرد من جديد.



نقاط ضعف الدكتاتوريات:



وهنا قام الباحث بسرد 17 نقطة يمكن للشعوب المضطهدة تطبيقها بهدف إضعاف نقاط القوة لدى الأنظمة الدكتاتورية، ومن ثم تخلق أزمة لديها تؤدي إڵـى تغيرها أو تفككها، وأوضح الباحث أن "النتيجة تصبح واضحة، إذ بالرغم من مظهرها القوي، فإن الأنظمة الدكتاتورية بها نقاط ضعف يمكن تحديدها وإستهدافها بالإضافة إڵـى وجود منافسات شخصية بين أفرادها، وتعاني مؤسساتها من عدم الفعالية وانتشار النزاعات بين منظماتها ودوائرها".



ممارسة السلطة ومزايا التحدي السياسي:



أوضح الباحث مما تبين أعلاه أن التحدي السياسي هو الخيار البديل للعنف، كما أنه يتمتع بخصائص تعطي من يمارسونه زمام الأمور، أوجز الباحث الخصائص في النقاط التالية:



♦ التحدي السياسي لا يقبل بأن تكون أساليب القتال اڵـتي تختارها الأنظمة الدكتاتورية هي اڵـتي تحدد النتيجة.
♦ يصعب عڵـى النظام الحاكم مواجهة التحدي السياسي.
♦ يستطيع التحدي السياسي أن يزيد من تأزم نقاط ضعف أنظمة الحكم وأن يفصل عنها مصادر قوتها.
♦ يقبل التحدي السياسي أن يوزع عڵـى مجال واسع وأن يركز عڵـى هدف محدد.
♦ يؤدي التحدي السياسي إڵـى وقوع الحكام الدكتاتوريين بأعمال وأحكام خاطئة.
♦ يستطيع جميع المواطنين المشاركين في التحدي السياسي أن ينتفعوا من المؤسسات والمجموعات للقضاء عڵـى سيطرة القلة الهمجية.
♦ يؤدي التحدي السياسي إڵـى توزيع القوة المؤثرة في المجتمع فيصبح إنشاء وبقاء المجتمع الديمقراطي أكثر إمكانية.



أشار الباحث إڵـى "ضرورة إنضباط النضال اللاعنفي بواسطة وضع آليات للتغيير، تؤدي إڵـى إرتداد ممارسات النظام الحاكم الوحشية ضد الأشخاص الذين يمارسون النضال السلمي عليه، وتؤدي إڵـى تنازع في صفوفه، كما يحصل المقاومين عڵـى دعم كبير من عامة الناس، ومنهم من يكون عادة مؤيد للنظام، بالإضافة إڵـى حصول المقاومين إڵـى دعم من أطراف أخرى. أوضح الباحث أيضا أن النضال اللاعنفي يتطلب نزع الخوف من الحكومة أو التحكم في الخوف كعنصرين رئيسيين في القضاء عڵـى سلطة الحكام الدكتاتوريين عڵـى الناس عامة".… أشار الباحث إڵـى ضرورة الشفافية والوضوح في برنامج [software] المقاومة لكسب ثقة أفراد الشعب بعضهم ببعض، بالإضافة إڵـى إضعاف الثقة بالنفس وهز الشعور بالقوة لدى النظام المستبد. وأوضح الكتاب أيضا ضرورة التخطيط الإستراتيجي وتحديد الأهداف اڵـتي يجب الوصول إليها ثم ما بعد هذه الأهداف بغاية المحافظة عليها وعلى إستمراريتها، فالهدف كما أشار الكاتب، لا يتمثل فقط في تدمير الدكتاتورية الحالية ولكن أيضا في إنشاء نظام ديمقراطي والحفاظ عڵـى بقاءه. أنصح القارئ بالإطلاع عڵـى ما ورد في الكتاب بهذا الخصوص للأهمية، حيث أني أخشى أن لا أعطي هذا الجانب حقه متى قمت بإيجازه.



أسس ثبات الديمقراطية:



أوضح الباحث أن سقوط النظام الدكتاتوري هو نقطة البداية فقط لمشروع الديمقراطية في البلد المعني، وأن "بناء الديمقراطية بعد إنهيار الدكتاتورية يتطلب بذل جهود طويلة الأمد، تصل إڵـى سنوات، لتطوير المجتمع وتلبية حاجاته بشكل أفضل، كما يتطلب الحال من النظام السياسي الجديد توفير الفرص أمام الناس رغم إختلاف آرائهم ليكملوا العمل البناء والتطوير السياسي لمعالجة المشاكل المستقبلية"... أشار الباحث إڵـى أن "النظام الديمقراطي الجيد يتطلب دستورا يضع أهداف الحكومة ومحددات سيطرتها وأساليب وأوقات الإنتخابات اڵـتي تمارس من أجل إختيار الموظفين الحكوميين والمشرعين وحقوق المواطنين الطبيعية وعلاقة الحكومة الوطنية بمستويات الحكومة الأدنى الأخرى، مع وجوب فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية عن بعضها بشكل واضح" وهي المضامين والمفاهيم اڵـتي يتبناها النظام الديمقراطي والمعايير اڵـتي تقاس به. وأشار الباحث إڵـى أنه في حال وجود دستور يتمتع بهذه الخصائص في حقبة سابقة من تاريخ البلد المحرر، فإنه من الحكمة إعادة تفعيله من جديد مع إجراء التعديلات الضرورية المطلوبة، أما في حالة عدم وجود دستور مسبق فإنه يفضل العمل بدستور مؤقت إڵـى حين إصدار دستور جديد. أشار الباحث أيضا إڵـى ضرورة مشاركة وموافقة وتصديق الجماهير عڵـى الدستور سواء كان ذلك تعديلا لبعض من بنود الدستور القديم أو دستور جديدا، حسبما يتطلبه واقع الدولة المعنية.



مسؤولية مستحقة:



يوضح الباحث في نهاية الكتاب أن ثمار النضال اللاعنفي لا تتمثل في إضعاف وإزالة الحكام الدكتاتوريين فقط، بل أيضا في تقوية وتعزيز الشعوب المناضلة وتؤدي إڵـى زيادة ثقتها بنفسها وزيادة إحترامها لنفسها، ويصبح الشعب أكثر قدرة عڵـى معالجة المشاكل اڵـتي تواجهه من فساد الحكومة أو أي ممارسات قمعية قد تظهر ضد مجموعات معينة، إلخ.. مما يجعلها أقل عرضة لنشأة حكم دكتاتوري جديد، ويؤمِّن بقاء واستمرارية الديمقراطية بها.



والله يوفق الجميع.



الليبية



http://www.libya-al-mostakbal.org/news/clicked/4010

 





لتحميل الكتاب يمكنك الضغط هنا.



هوامش:



- راجع الملحق الخاص بأساليب العمل باستخدام اللاعنف في نهاية الكتاب المعني.

- كما شاهدنا في أحداث 17 فبراير 2006، حيث واجه النظام الإنتفاضة المحدودة بتسخير كل قوة الدولة لقمعها، وكذلك في أحداث الطلبة عام 1976.

- خطاب القذافي في جلسة مؤتمر الشعب العام الأخير حيث هاجم بشدة فكرة المجتمع المدني.



 



د. فاطمة الحمروش: الطريق نحو ديمقراطية قوية وثابتة
المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق