ميلاد اسماعيل: هل هذه هي الثورة التي حلمنا بها؟


يشعر المرء بالمرارة و الأسف للأخبار المتتالية عن تشردم الحالة الليبية، فيساوره الظن بأن بنغازي قد تحولت اڵـى بغداد وبرقة إڵـى جنوب السودان، وجنوب ليبيا [libya] إڵـى صومال، وسرت إڵـى إمارة طالبان، وتاورغاء إڵـى دارفور وطرابلس إڵـى وكر جواسيس، ومصراته إڵـى دولة داخل الدولة، والزنتان إمارة تابعة لدولة الإمارات، ولا تمر ببلدة ليبية إلا وبها نكبة. الحكومة في وادي والشعب في وادي آخر، ولم تفلح الحكومة ولا سابقتها إلا في هدر المال وتوزيعه عڵـى دول الجوار. والمؤتمر يشرع بلا شراع وبلا حرمة للمال العام، وكمثال أعوج إقرار تعويض سجناء الرآي بمبالغ فاقت الخيال…



كلها أخبار سوداوية توحي  بفشل ثورة فبراير في تحقيق طموحات الشعب وأهمها بسط الأمن والحفاظ عڵـى المال العام والانتقال من مرحلة الثورة اڵـى مرحلة بناء دولة يسودها العدل والقانون وبمؤسسات تعمل عڵـى تحقيق الأولويات مع راحة المواطن وتوفير احتياجاته، بل الانتقال من سد الحاجة اڵـى الرفاهية والسعادة. تكاد تمر سنتان عڵـى نجاح الثورة بسقوط حكم السفاح المقبور ولم نتقدم قيد إنملة في الاتجاه الصحيح بل عڵـى العكس ضللنا الطريق وأضلنا من بيدهم زمام الأمر حتى إحتسب أعداء الثورة إن ما يحدث اليوم هو أسوأ مما كان. فمن المسؤول ومن يجب أن يحاكمه الشعب ولو أدبيا عڵـى إفساد المسار وتدهور الأحوال؟



صاحب الخطوة الأولى في أي مسار أو مسير هو الذي يحدد المصير، فيتجه إڵـى مرفاء الأمان أو إڵـى الهاوية. وقد إتخذ تلك الخطوة الخاطئة ما كان يسمى المجلس الانتقالي، الذين لم يعرف الشعب الليبي حتي الأن عددهم بالضبط، ولا كيف جاءوا، ولا أين ذهبوا، وما هي خلفيتهم أو هويتهم إلا القلة منهم أو بعض السطور السطحية اڵـتي كتبت عنهم كسيرة ذاتية نشرت بموقع المجلس في آخر أيامه. وقد نظلمهم لنقص هذه المعلومة المهمة، لكن النقص الأكبر والفادح هو من وراءهم ومن يسيرهم، وما يدرينا إنهم لم يكونوا سوى أفراد لا حول ولا قوة لهم، بيادق أو قناع يخفي الاجندات اڵـتي تنهش أجنتها في جسد الوطن هذا اليوم.



لقد ثار الليبيون عڵـى ظلم وضياع دام أكثر من اربعين خريفاً، فقضوا عڵـى من كان السبب في هذا الضياع وفي إنهيار الدولة الليبية، دولة الاستقلال مملكة ادريس السنوسي، ومهما كان الانسان عڵـى خلاف مع الملكية إلا إنها كانت أفضل الممالك العربية وارشد حكم واكثر ديمقراطية من جميع البلدان العربية. فلماذا لم يٌرجْع المجلس الإنتقالي الأمور لنصابها، وتعود ليبيا [libya] الى  يوم 31 أغسطس 69م، ثم يأتي التغيير تدريجياً في نصوص دستور ذلك العهد بالاستفتاءات. وقد نادي البعض منا بذلك في آوانه، ولكن من طفح عڵـى المستنقع السياسي في تلك الفترة المبكرة من عمر ثورة 17 فبراير، لم تكن تهمه ليبيا [libya] ولا شعبها، وإنما كان يخطط لمصلحته الشخصية أو الحزبية أو الإنتمائية فزرع ما نحصده اليوم.



المجلس الانتقالي ويا له من مجلس حوي السيد الزبير وزمرة من الإخوان وأخرين يعلم الله سرهم وسريرتهم، ومع ذلك لم يكن هو المسؤول الأول والأخير عن هذا التدهور بل رئيس مكتبه التنفيذي السيد محمود جبريل هو من يقع عليه اللوم بتقاعصه في تنفيذ ما تحتاجه تلك الفترة، وأولها العمل عڵـى إرساء قواعد الدولة واستتباب الأمن، بإلبدء في إعداد شرطة وجيش وطني عڵـى الأقل في المنطقة الشرقية المحررة في تلك الفترة. ولكنه فضل التنفيذ من بعد حرصاً عڵـى سلامته، متعذراً بجلب الاعترافات الدولية دون غبار، ولو كان غبار معارك حرب التحرير! فحجة الإعترافات والتبجح بها رواية تافهة، حيث لو أوكلت مهمتها للفنان صالح الابيض لجلبها حتى من الصينين فما بالك بإعترافات الدول الغربية اڵـتي مهد لها وهندسها السيد لفني.



وتتراكم المعوقات بتعاقب الحكومات الفاشلة ومؤتمر وطني تائه في خلافات شخصية أو تجاذبات حزبية سطحية ونقاشات وقرارت لا ترقي لمستوي المرحلة والمسؤولية، مؤتمر جل أعضاءه إن إكتملت عندهم النزاهة والوطنية فبالتأكيد تنقصهم الدراية والحنكة السياسية. أما المجال الأمني والعسكري فقد إختلط الحابل بالنابل، ولم يعد واضحا هل ما لدينا هو جيش وطني أم بقايا كتائب الطاغية، ثوار أم أشباه الثوار. أصبح التفريق بينهم صعباً لسببين، أولهما وهو الأهم إنتهاء حرب التحرر، و الثاني (بعد التسليم بعذر التخوف من سرقة الثورة وانحرافها) هو ما هي الأيدولوجية اڵـتي يحملها كل فصيل ولصالح من؟ بالطبع معظمها ليس من مصلحة الوطن، وقد تكون خدمة لأجندات خارجية، فالتشردم وصل بالليبيين لحد العار، وعملاء قطر والإمارات ومصر والسعودية من الليبيين لم يعد يعيرهم هذا إلإنتماء الواضح الفاضح. وجميعهم عمل ويعمل عڵـى عرقلة قيام الدولة.



إن عشق بعض النفوس المريضة للسلطة، وتصارع الإخوان والتحالف، وتطاحن الكتائب بإختلاف مسمياتها وتدخلها في صنع القرار السياسي، وترهات دعاة الإنفصال، ومؤامرات ازلام النظام المنهار في الداخل والخارج، وتكالب الدول العربية والاجنبية عڵـى ليبيا [libya] هو الذي أنهكها وانتهك حرمتها وعرقل قيام دولتها. إن الذين يودون سرقة الثورة أوالطفيليات اڵـتي تعشش فوق ظهرها، أو من يريد إرجاع عقارب الساعة إڵـى الوراء أخاب الله سعيهم، قد آن لهم العدول عن غيهم والعودة لرشدهم أو الرحيل غير مأسوف عليهم، فهم قد يستطيعون سرقة الوطن أو امتصاص دمه سنة أو عشرات السنوات لا سامح الله ولكن سيأتي بعدها اليوم الذي يلفضهم فيه الشعب كما لفض ورفض المقبور من قبلهم، وما يبقى في الوادي إلا حجره. فلا يغرنهم دعم الشياطين لهم من خارج الوطن، لأن الذي يجري وتقترفه أيديهم عڵـى إختلاف مناهجهم ليس هو ما قامت الثورة من أجله.



ميلاد اسماعيل



 



ميلاد اسماعيل: هل هذه هي الثورة التي حلمنا بها؟
المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق