تونس – ليبيا المستقبل – خليفة علي حداد: لم يكن الهجوم الدموي الذي شنته مجموعة مسلحة على منزل وزير الداخلية التونسي في مدينة القصرين ليلة الثلاثاء الأربعاء والذي أدى إلى مصرع أربعة رجال شرطة وجرح خامس مفاجأ للمتابعين للمشهد الأمني التونسي منذ أكثر من سنتين، غير أن الجرأة التي ميزت الهجوم و"الحرفية" العالية التي نفذ بها تجعله الأخطر منذ انطلاق الحرب بين الأجهزة الأمنية والعسكرية من جهة والجماعات المتشددة من جهة ثانية.. وجود منزل الوزير لطفي بن جدو في مربع أمني تحيط به مواقع للحرس والشرطة داخل مدينة تحولت منذ أكثر من سنة إلى معسكر كبير بحكم متاخمتها لجبل الشعانبي الذي يشهد صراعا داميا تستخدم فيه القاذفات والمدافع والطائرات، كلها عوامل طرحت لدى المتابعين والمواطن العادي أكثر من سؤال عمن يقف وراء العملية وعن الرسائل التي حملها وابل الرصاص الذي وجه إلى صدور حراس منزل الوزير، وقبل هذا: كيف يحصل "الإرهابيون" على الدعم اللوجستي والأسلحة والذخائر وهم المحاصرون، منذ أكثر من سنة، في مساحة لا تتعدى بضعة كيلومترات مربعة.
جرأة في التنفيذ تحمل رسائل وإشارات
يرى الأكاديمي والمحلل السياسي والأستاذ بالجامعة التونسية الدكتور نور الدين العلوي في تصريح لـ"ليبيا المستقبل" أن العملية أظهرت جرأة كبيرة لدى منفذيها وأن "جرأتها في أنها محمية من جهة ما مهدت لها لوجستيا وتريد إثبات أقصى قوة ممكنة عند منفذيها.. يعني استعراضية في جانب كبير منها ونفذت تفاصيلها بلا رحمة".. هذه الجرأة، برأي الدكتور العلوي، ليست عفوية بل تحمل "رسائل كثيرة بعضها واضح وبعضها مشفر، ولكنها في جملتها رسائل إرهاب وترهيب" إلى متلقين محددين تبدأ من وزير الداخلية نفسه لتصل إلى المجتمع السياسي والأحزاب الساعية إلى التهدئة للوصول بالبلاد إلى انتخابات تخرجها من الوضع الانتقالي. ويؤكد الدكتور العلوي أن الوزير بن جدو تلقى الرسائل المباشرة ومفادها "أن الإرهاب قادر على الضرب، بعد، متى يشاء وأينما يشاء، وان ما قيل عن الانتصار عليه محض هراء، وأن بن جدو الذي صفّى القضقاضي، أحد قادة أنصار الشريعة، يمكن أن يستهدف وييتّم صغاره". أما عن الرسائل المشفرة، فهي لبن جدو ولمن يقف معه من السياسيين وللأحزاب التي تسعى إلى التهدئة بهدف الوصول إلى الانتخابات، وتتلخص في مطالب ستخرج بعد حين وعلى رأسها "تأجيل الانتخابات". وختم الدكتور العلوي تصريحه بوصف العملية بأنها "استثمار آخر في الدم".
ليبيا: الظهر المكشوف
لم تكن عملية القصرين حدثا خارج السياق بل سبقتها بيومين عملية أمنية في مدينة بنقردان على الحدود مع ليبيا تمت خلالها مصادرة كميات معتبرة من المتفجرات والأحزمة الناسفة والصواعق وألقي القبض على ثلاثة أشخاص قالت وزارة الداخلية أنهم قدموا من ليبيا وجلبوا معهم ما تمت مصادرته.. قبل هذا علم مراسل "ليبيا المستقبل" أن السلطات التونسية وجهت مزيدا من التعزيزات العسكرية والأمنية إلى مناطق الحدود وكثفت عمليات الرصد والتمشيط والتحري بالتزامن مع الأحداث الأخيرة التي تشهدها الساحة السياسية والأمنية في ليبيا، كما علم أن السلطات المركزية في العاصمة والسلطات المحلية بكل من ولايتي مدنين وتطاوين الحدوديتين تحضر نفسها لكل المفاجآت التي يمكن أن يفرزها الصراع الدائر في ليبيا بما في ذلك تسرب الجماعات المتشددة والأسلحة وقدوم النازحين بأعداد كبيرة إذا تطورت الأمور نحو الأسوأ. ويرى الأستاذ زهير اسماعيل، الباحث بالمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، في إفادة لـ"ليبيا المستقبل" أن "الساسةُ في تونس يعتبرون أن ليبيا بالنسبة إلى تونس ليست جوارا بقدر ما هي شأن داخلي تونسي: أمني وسياسي بدرجة أولى واقتصادي اجتماعي في مرتبة ثانية. ولافصل، مثلما تعلمون، في هذا الظرف الحسّاس، بين السياسي والأمني. ومن هذا المنطلق فإنّ التأثير كبير ومركّب. وهو تأثير متبادل رغم ما بين السياقين من اختلاف من ناحية ما أنجز في مسار التأسيس الديمقراطي وبناء المؤسسات الجديدة، ومن ناحية طبيعة القوى الفاعلة ونوع تجربتها السياسيّة". ويضيف زهير إسماعيل أن لا حل الآن إلا بـ" تقدّم العمليّة التأسيسيّة في تونس واهتداء الفرقاء في ليبيا إلى حوار وطني هادئ"، مؤكدا أن ذلك "سيكون داعما للديمقراطيّة الناشئة".
تونس.. معركة مع الإرهاب في الداخل، وظهر مكشوف مع ليبيا
تعليقات
إرسال تعليق